فوجئت جيهان عبد النبي مقدمة برنامج «حديث البحرين» الذي تبثه فضائية «العالم» الإيرانية على مدار الأسبوع منذ عدة سنوات والمخصص للهجوم على مملكة البحرين، فوجئت بجواب جعفر شعبان «أحد أعضاء شورى جمعية «الوفاق»» عن سؤالها حول مدى استعداد المواطنين للعصيان الذي دعا إليه ما يسمى بـ «ائتلاف فبراير» وروجت له الفضائيات «السوسة» وعلى رأسها هذه الفضائية لأكثر من شهر، فأسرعت بالانتقال إلى موضوع آخر، فقد كان جواب شعبان مفاجئاً لها بالفعل وللكثيرين وغير متوقع حيث قال في حلقة الإثنين الماضي ما معناه إن «استجابة المواطنين للدعوة إلى العصيان المقرر تنفيذه في الأيام الثلاثة المقبلة ستكون خجولة»، ما يعني أن «الوفاق» اتخذت موقفاً سالباً من هذه الدعوة وأنها تعتقد أن الفشل سيكون من نصيب هذه الفعالية غير المرحب بها أساساً لأن المتضرر الأول منها هم الناس الذين يرفع أولئك شعار الدفاع عن مصالحهم.
وسواء كان جعفر شعبان يعبر عن رأيه الشخصي وقناعته أو رأي وقناعة شورى «الوفاق» فإن الواضح هو أن هذه الجمعية بدأت تشعر بالحرج من تصرفات ذلك النفر القليل الذي لا يزال دون القدرة على فهم الواقع وتحليله، فالدعوة إلى تنفيذ فعالية فشلت على مدى خمس سنوات وغريبة على مجتمع البحرين غير المؤهل أساساً لمثل هذه الممارسة يعني أن الداعين إليها لا يعرفون شيئاً في العمل السياسي وغير منتبهين للتطورات التي تتلاحق في الساحة المحلية وفي المنطقة إجمالاً، ويعني أنه حان الوقت كي تتخذ الجمعيات السياسية التي صاروا يتحدثون باسمها في كل محفل ويعتبرون أنفسهم ممثلين لها وخاصة جمعية «الوفاق» موقفاً واضحاً يضع حداً لتصرفاتهم المراهقة، ذلك أن فشل الدعوة إلى مثل هذه الفعالية يضع كل «المعارضة» في موقف صعب ويظهرها في مظهر يفترض ألا تقبل به.
التفكير بعقلية ما قبل فبراير 2011 في 2016 دليل على دخول ذلك البعض في العمل السياسي بطريق الخطأ، ذلك أن أي حراك لا بد أن يضع مسألة التغيرات التي يفرضها الزمن وتفرضها التجربة في اعتباره عند اتخاذ أي قرار خصوصاً إن كان قراراً جماهيرياً. في السنوات الخمس الأخيرة تغيرت أمور كثيرة في المشهد المحلي والمشهد الإقليمي وفي كل العالم، وبالتالي فمن غير المعقول أن تتم الدعوة إلى تنفيذ فعالية لا يتوفر لها حتى الحد الأدنى من النجاح. بل أن تلك الدعوة لم تنجح حتى في السنة الأولى من الأحداث التي شهدتها البحرين وفي «بنك» الفوضى التي أراد ذلك البعض نشرها عبر أعمال التخريب، فالناس ليسوا بالغباء الذي يتصورونه وليسوا على استعداد ليرموا بأنفسهم إلى التهلكة من أجل لا شيء، فكيف يمكن أن تنجح اليوم وبعد كل هذه التطورات المحلية والإقليمية والتي لا تصب أبداً في صالح ذلك البعض الذي اعتبر نفسه معارضاً وقائداً لـ «المعارضة»؟
لو كان ما قاله عضو شورى «الوفاق» هو موقف الجمعية فإن هذا أمر يبشر بالخير ويعني أنها قررت أخيراً - وإن في صمت وخجل - التعامل مع مجريات الأحداث بواقعية وتبين لها أن من سمحت لهم بأخذ مكانها واعتبرتهم قائداً للحراك لا يصلح للقيام بهذه المهمة، وأنه سيتسبب في نهايتها وفي إحراج «المعارضة» كلها.
لا بأس أن تفاجأ جيهان عبد النبي وفضائية «العالم» الإيرانية وكل الفضائيات «السوسة» بمثل الرأي الذي عبر عنه شعبان، ولا بأس أن يزعل فلان أو علان من الذين يعتبرون أنفسهم قياديين في «المعارضة» بموقف كهذا تتخذه جمعية «الوفاق» أو أي جمعية سياسية أخرى، فمثل هذه المواقف هي التي ينبغي أن تسود، فعكسها يعني التطرف ويعني الاستسلام إلى قلة العقل والمنطق والتدبير.