تلقيت مكالمة هاتفية من صديقة مقربّة لي، وفي ختام المحادثة سألتني سؤالاً لم يكن في الحسبان، يغلفه الخجل وربما الاستياء، فقالت لي: «نحن على أعتاب تاريخ 14 فبراير، فهل كالمعتاد سيأخذ هذا اليوم حيزاً من مقالك الأسبوعي يا عزيزتي؟»، صمت لبرهة من الوقت، وأجبتها على سؤالها بسؤال آخر: «أنت ماذا تريدين؟»، ردت: «لا أدري فأنا مع الحب، وأفرح كثيراً لفرحة الناس بهذا اليوم، وإن كانت هذه الفرحة في السابق مستترة، ولكن ما بدأت ألاحظه أن هناك من بدأ يعبر عن مشاريعه ومخططاته الخاصة لهذا اليوم جهرة، ولكن لا أخفي عليك يا صديقتي فأخاف أن أتكلم أو أبوح عما في داخلي كي لا ينعتني أحد بأنني «وقحة»».
حقيقة صديقتي العزيزة، تمثل شريحة من مجتمع ربما يعيش تناقضات يومية. نستنكر الإرهاب ولكن في الوقت عينه ننحاز عن فكرة الحب، وتفكيرنا السلبي النمطي لابد أن يحرف الاتجاهات الصحيحة عن مسارها الحقيقي.
لذلك، ففضلت أن أعرض عليكم صراحة أنموذجاً حقيقياً من «أنواع الحب» التي ذكرها الأخ الكاتب علي صالح الضريبي في مقاله «سنة وشيعة.. شيعة وسنة»، وإن كان العنوان مستفزاً قليلاً، إلا أن ما يدور حوله الموضوع يدفعك لأن ترفع راية الاحترام والتقدير لمدرس مادة الرياضة، الذي اتخذ موقفاً تربوياً مشرفاً، عندما فوجئ أن أحد الطلاب يرى أن الطريقة المثلى لتشكيل فريقين لكرة قدم هو بفصل الطلاب، الفريق الأول من الطائفة السنية، والفريق الثاني من الطائفة الشيعية. وبين الأخ الكاتب أن الأستاذ والطالب من الطائفة نفسها ولكنهما لا ينتميان إلى الموروثات الفكرية عينها. وشرح للطلاب أنه لا يريد أن يسمع كلمة «سنة وشيعة» أبداً. فنحن أبناء وطن واحد ولن نسمح لأحد أن يفرقنا. وعليه فقد قام الأستاذ بتعليمهم كيفية تشكيل فريقين من خلال «التجميع» وليس «التفرقة».
أليس هذا نوعاً من أنواع الحب الذي يجب أن نرفع رايته عالياً، ألم يحن الوقت أن ننظر إلى الأمور بموضوعية أكثر؟ قبل أن ننجرف إلى متاهات تبعث بأبناء هذا الوطن إلى مفارق لا تحمد عقباها؟ وعندها لن نجد الندم حلاً لكل ما اقترفته أيدينا. فما يلفتني حقيقة أننا أمة الإسلام، والإسلام كلمة مصدرها «السلام». ولا يمكن أن ينتشر السلام إلا إذا كانت لدينا ركيزة محبة وتفاهم متينة. ركيزة غير مبنية على نبذ وكره وعصبية. ركيزة لا تعرف ضغينة ولا عنصرية ولا تفرقة ولا تقسيم وانفصال وتجزئة وتشعبية. تعبنا ومللنا من الحوادث التي يمكن أن نشاهدها كل يوم وليلة من انفعالات صبية تم زرع الأفكار الهمجية داخل عقولهم الفتية، ليدفع ثمنها أبناؤنا الذين كتب عليهم الاستشهاد في مقابل حفظ أمن بلدنا الأبية. وإذا رجعنا بالذاكرة غداة تولي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، مقاليد الحكم، فقد أكد جلالته أنه يقع على الدولة عبء كفالتها للمواطنين جميعاً، بلا تفرقة، وأن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين أو العقيدة. لذلك فقد تم بعدها إقرار ميثاق العمل الوطني في تاريخ 14 فبراير، والذي نص صراحة على إحداث تغييرات جذرية في منهج العمل والأداء، وتحديث سلطات الدولة ومؤسساتها وتوظيفها جميعاً في مصلحة الوطن والمواطن.
لذلك فأنا أجدد حبي لهذه الأرض الطيبة وسوف أكون حاضرة ضد كل من يحمل النوايا السيئة.