الفارق بين ما تقوم به الحكومة وما تقوم به «المعارضة» يبدو الآن واضحاً للجميع، ففي الوقت الذي تعمل فيه الحكومة ليل نهار للارتقاء بمعيشة المواطن في هذه المرحلة الصعبة والتي تعاني منها كل الدول تشغل «المعارضة» نفسها بما لا ينفع المواطنين وتعتبر إصدارها للبيانات عملاً متميزاً وأنها بهذا تكون قد قامت بواجبها تجاههم .
الدولة تسعى بكل ما تستطيع إلى تطوير علاقاتها مع مختلف دول العالم فتأتي بالمشاريع والاستثمارات التي تدر الأموال وتقوي الاقتصاد، و»المعارضة» تسعى بكل ما تستطيع إلى اجترار الآلام وإلى مزيد من توريط العامة ومشاغبة حياتهم. فارق واضح وكبير يفترض أن يكون سبباً في التفات «المعارضة» المتمثلة في الجمعيات السياسية إلى ما تقوم به لتعرف على الأقل أنها «تعمل خارج نطاق التغطية»، وأن كل ما تقوم به يزيد المشكلة تعقيداً بدل أن يسهم في حلها.
المرحلة التي تمر بها البلاد والمنطقة تفرض على «المعارضة» إعادة قراءتها للمشهد وإعادة تقييمها للأمور ووضع خطط متكاملة تسهل على التاريخ تدوين ما يسر الأجيال المقبلة في سجلاتها فتقدر الدور الذي قامت به والتضحيات التي قدمتها في سبيل الوطن.
ما تقوم به «المعارضة» اليوم لا يتناسب مع طبيعة المرحلة وإن كان من أساسات عملها، حيث العمل في الظروف الاستثنائية يختلف عنه في الظروف العادية، وهذا بالتأكيد أمر لا يخفى على الجمعيات السياسية خصوصاً تلك التي تمتلك خبرة واسعة وتجربة يعتد بها. في الظروف العادية تمتلك «المعارضة» هامشاً واسعاً للتحرك والمناورة والأخذ والرد، لكنها في الظروف الاستثنائية كهذه التي تمر بها البلاد لا تمتلك إلا هامشاً ضيقاً لذلك، ولذلك فإن المنطق يفرض عليها التعاون والتكامل مع الحكومة وإن كلفها هذا بعض التنازلات أو حتى إغلاق بعض الصفحات التي ترى أنها مهمة لكنها قد تعيق ذلك التعاون والتكامل المطلوب في هذه المرحلة غير العادية.
هذا أمر لا يفهمه بالتأكيد أولئك الذين دخلوا على خط «المعارضة» عنوة وصاروا يعملون باسمها ويعتبرون أنفسهم ممثليها دون الجمعيات السياسية، فالتجربة أثبتت أنهم بعيدون عن استيعاب مثل هذه الدعوات وهذا التفكير وأنهم دون القدرة حتى على مناقشة مثل هذه الأمور.
المرحلة التي تمر بها البلاد والمنطقة لا تستوعب الصراخ والعويل ولا إصدار بيانات الشجب والإدانة ولا الاحتجاج بالطرق التقليدية أو المبتكرة، هذه المرحلة تحتاج إلى تفكير من نوع مختلف، و»معارضة» من نوع مختلف، تضع في اعتبارها كل التغيرات والتطورات وتدرك أن الإغلاق المؤقت لبعض الملفات والتي تفرضها طبيعة المرحلة وإن كانت تعتبرها من أولوياتها لا يعني إغلاقها نهائياً أو نسيانها، وتدرك أن قيامها بهذا وتواصلها وتعاونها وتكاملها مع الحكومة في هذه المرحلة لا يعني خيانتها للمواطنين الذين ترفع شعارات الانتصار لهم ، فـ «المعارضة» في كل الأحوال ليست عدوة للحكومة، ولا ينبغي أن تكون كذلك، وهذا أمر لا يخفى أيضاً إلا على أولئك الداخلين على الخط ويطرحون أنفسهم على أنهم ممثلو «المعارضة».
الأجدى من كل هذا الذي تقوم به الجمعيات السياسية حالياً ومن يلتحف برداء «المعارضة» ويعتبر نفسه أساسها والمعبر عنها هو العمل على مساعدة البلاد لتتمكن من عبور هذه المرحلة والخروج منها بسلام، فكل ما عداه لا قيمة له ولا فائدة من ورائه، ولا يدون إلا في خانة اللاشيء.
ما يعتزم ذلك البعض القليل تنفيذه اليوم واليومين المقبلين فرصة سانحة يفترض أن تستغلها الجمعيات السياسية فتقدم بوقوفها ضده وبشكل واضح مثالاً على استيعابها لطبيعة المرحلة، وتؤكد للدولة أنها على استعداد تام للتعاون مع الحكومة، لتحقيق ما ينفع المواطنين ويخرجهم والبلاد سالمين من هذه المرحلة الاستثنائية.