تمر الأيام والسنون متسارعة غير عابئة بأقدار الناس ومصائر الشعوب إلا لو أدركت تلك الشعوب بعقلانيتها وحكمتها كيفية التصرف في المواقف الصعبة والتعامل مع التحديات تعاملاً صحيحاً وليس برد الفعل اللاعقلاني.
وبمناسبة ذكرى الميثاق نقول إن هناك علامات فارقة مهمة في تاريخ الأمم والشعوب ترسي لبنات راسخة للمستقبل ويعد صدور ميثاق العمل الوطني أحد أبرز تلك العلامات المميزة، ولعل ذلك مرجعه أنه يؤرخ لثلاثة تطورات تاريخية بالغة ألأهمية:
* الأول: تحول البحرين من دولة إلى مملكة دستورية حيث صدر دستور جديد مبني على دستور عام 1973، وتحديثه بما يناسب المتغيرات. ومن أبرز التحديثات الإقرار بدور المرأة كشريكة في الحياة السياسية بالانتخاب والترشيح على كافة المستويات البلدية والنيابية، والمناصب الوزارية والقيادية في شتى المجالات. والاعتراف بمكانة ودور القوى السياسية وجمعياتها ذات التوجه الوطني الذي يتماشى مع العصر الحديث بعدم قيامها على أسس طائفية أو دينية والتأكيد على مدنية النظام السياسي.
* الثاني: تحول البحرين كمملكة دستورية أدى إلى إعلاء مبدأ الدستور، وما له من أهمية واحترام القانون، الذي يضبط حركة المجتمع وحراكه السياسي، بما يتلاءم مع المستجدات.
* الثالث: الإقرار بحق الشعب باتخاذ القرار في بناء هيكل النظام السياسي في إطاره العام. وذلك بصدور الميثاق بإرادة شعبية وإعداده من قبل لجنة متخصصة شملت مختلف الطوائف والسياسيين والمفكرين والخبراء الدستوريين والقانونيين واعتماده من الشعب الذي صوت عليه بنسبة تقترب من الإجماع بلغت 98.4%. من هنا اعتبر الميثاق هو المرجعية السياسية الرئيسة وكذلك الدستور الصادر نتيجة له عام 2002.
ولكن الميثاق والدستور ككل أعمال البشر فسرته بعض القوى السياسية كل بحسب رؤيتها وطموحاتها، وهذا من الأمور الجائزة في العمل البشري، وكما قيل إن اختلاف الفقهاء رحمة فكذلك اختلاف القوى السياسية في أي مجتمع هو أحد أدوات التطور والتطوير شريطة ارتباط الاختلاف بالمقولة الثانية إن «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية»، أي عدم الخروج عن العمل السياسي أو عن الوسائل القانونية المنصوص عليها في الدستور والاحتكام للقضاء في حال عدم التوصل لحلول. فالقضاء هو دائماً الذي يفسر القانون أو الدستور ويحتكم إليه المواطنون مهما كانت وجهات نظرهم في أحكامه، وإلا فإن البشر تحكمهم شريعة الغاب وتسود بينهم الفوضى وهذا ما يرفضه أي إنسان عاقل من أطروحات ضد الفتنة، لأن الفتنة يترتب عليها أعمال قتل وتخريب.
وأستذكر في ذكرى الميثاق الوثيقة الأخرى في تاريخ البحرين الحديث، وهي تقرير مبعوث الأمم المتحدة لاستطلاع رأي شعب البحرين عن مستقبله ودولته وحكمه وعلاقاته الدولية. وترتب عليه إعلان استقلال البحرين عام 1971 وقبولها عضواً في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية وإقامة علاقات دبلوماسية مع العديد من دول العالم وفي مقدمتهم دول الجوار العربي والإسلامي.
ولكن نتيجة عودة نوازع المطامع والسيطرة من بعض دول الجوار التي تدعو للفتنة وأدت لخروج القليل عن المألوف لدى شعب البحرين من المحبة والوئام والاعتدال الفكري والإيمان والولاء للوطن ومن هنا تحول الاختلاف لصراع وهو ما لم يقبله عقلاء الشعب وقادته من مختلف الأطياف.
وجاءت الدعوة للحوار الوطني وانتهت إلى ضرورة إدخال تعديلات وإصلاحات وهو ما قامت به الدولة تماشياً مع الفكر الحديث بأولوية مجلس النواب على مجلس الشورى مع تكامل عملهما التشريعي واختلاف اختصاصات ومهام كل منهما، ومزيد من الاهتمام بقضايا المجتمع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية في حدود إمكانات الدولة ومواردها. وضرورة الالتزام بالدستور والقوانين التي تحكم حركة المجتمع وتوضح دور السلطات الثلاث ودور القوى القائمة على الدفاع والأمن والعدالة والتي هي من أولويات أية دولة وهي الوظائف الرئيسة التي تحدث عنها الفكر السياسي التقليدي. وبهذا أمكن للبحرين وشعبها أن تتجنب كوارث تعرضت لها شعوب ودول أخرى في المنطقة مما أهدر موارد الدول وقتل مئات الآلاف من مواطنيها ونشر فيها عدم الاستقرار وعدم الأمان والتخلف الاقتصادي والثقافي بل أوقع بعضها فريسة لدول طامعة في السيطرة، كما أدى ذلك لظهور تنظيمات متوحشة باسم الإسلام البريء منها ونكلت بكل من يخالفها وحولت الحضارة العربية الإسلامية إلى حضارة التوحش والقتل على الهوية وسمحت بالتدخل الأجنبي في الأوطان وتدميرها.
نقول ما سبق لتذكير شعب البحرين بطبيعته المتسامحة وحكمة آبائه وأجداده في تجنب الصراعات أو الاستماع إلى أية دعوة من دعاوى الجاهلية يترتب عليها بث الفتن التي تفرق وتدمر وتبث الفوضى وتدعو للاحتكام للخارج والاستماع لنصائحه وفتاواه وهي نصائح ثعلب وثعبان في ثوب الناصح الحكيم.
إن ذكرى الميثاق مناسبة لجميع أبناء البحرين لاستذكار التصويت عليه، وكذلك تقرير مبعوث الأمم المتحدة لتقصي اتجاهات وفكر شعب البحرين بمختلف فئاته وطوائفه التي عبر فيها عن رغبته في أن تكون البحرين حرة مستقلة، وأن تكون لديها علاقات طيبة مع دول الجوار ومع العالم، تعيش في أمن وأمان وسلام دون التدخل في شؤونها الداخلية بأية وسيلة من وسائل التحريض، وهي بدورها تحرص على عدم التدخل في شؤون غيرها، وهذا ما انتهجته قيادة البحرين الحكيمة من الاهتمام بشعبها وإرساء دعائم البنية الأساسية للاقتصاد والخدمات وتطويرها، وهذا يتجلى من مقارنة معظم دول منطقة الشرق الأوسط بالتطور الذي تحقق في البحرين، آخذاً في الحسبان كافة المقومات المادية والموارد الطبيعية والبشرية. وختاماً تهنئتي لشعب البحرين بمختلف طوائفه وقيادته الحكيمة التي حققت له الكثير من الإنجازات، وجنبته مصائر شعوب أخرى، أصبح معظمها من اللاجئين في شتى أرجاء العالم. ودعوات من قلب مصري محب للبحرين وشعبها وقيادتها الرشيدة، بالتقدم والازدهار والوئام.

* عضو جمعية
الصداقة المصرية البحرينية