في كلمات صاحب الجلالة ملك البلاد حفظه الله بالأمس في جلسة مجلس الوزراء رسائل صريحة وواضحة، تكشف للكثير عن الأمور التي يحرص عليها جلالته في المرحلة الراهنة، ويضعها نصب عينيه كاهتمامات، ويريد أن تتجاوزها الدولة كتحديات.
الاستقرار السياسي يأتي كأساس، فأي دولة تسعى لمواجهة التحديات لتحافظ على كيانها وعلى شعبها لابد وأن تعمل جاهدة لأن تستقر سياسياً، لأن بدون هذا العامل الأساسي، تتحول الدول إلى «بؤرة توتر» وتسودها الاضطرابات، وتطغى فيها الصراعات السياسية على حساب حياة البشر وتنمية المجتمع ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
أي دولة لا تملك استقراراً سياسياً لا يمكنها أن تعمل لأجل المستقبل، بل ستكون متخلفة عن الركب العالمي في شأن مواكبة التطورات، ولربما تحكم على نفسها بالانهيار ككيان، فتطغى الصراعات السياسية ومحاولة تغليب صوت التحزبات على مصلحة الفرد والمجتمع. فها هو العراق كمثال صريح على دولة لا تملك استقراراً سياسياً، دولة مفككة داخلياً، ممزعة الأطراف، كيان تحول إلى أشلاء، وفي وضعه هذا لا ضمان لحقوق أفراد، ولا سطوة لمصلحة مجتمع. وحينما تصل الأوطان لحالة انعدام للاستقرار، هنا قل عليها السلام، فلا هي تمثل نظام دولة صحياً، ولا الشعب سيجد نفسه في بيئة حياة صالحة، والأهم لا مستقبل أفضل سيتحقق، مهما فعلوا ومهما حاولوا ومهما قالوا إن الغد الأفضل قادم، إلا أنها تظل مقولات لـ «تعشيم النفس» خاصة ممن ساهموا في ضياع الاستقرار السياسي، وعملوا لأجل أجندات خاصة، سواء حزبية أو فردية.
لذلك نشدد على ما قاله جلالة الملك بشأن الاستقرار السياسي، ونحمد الله بأنه أكرم البحرين بهذه النعمة، وأن نظام الحكم فيها قوي في أركانه وامتداداته.
نقطة أخرى هامة لجلالته، كانت معنية بتأمين الاستقرار الأمني، وأشاد فيها بأداء الحكومة برئاسة صاحب السمو حفظه الله في هذا الشأن من خلال الأجهزة الأمنية المعنية بحفظ الأمن والاستقرار في البحرين، وحماية الناس وممتلكاتهم وتأمين سلامتهم والتصدي لكل محاولات التخريب والإرهاب والعبث بمقدرات الأمن الوطني.
الأمن ثم الأمن ثم الأمن، نقطة بالغة الأهمية لا تقل حجماً وثقلاً عن الاستقرار السياسي، فبدون أمن وإرساء لمقوماته ودعائمه لا تقوم الدول، ولا تنضبط الشعوب، بالأخص تلك الفئات التي تنبذ التمثل بالقوانين واللوائح المنظمة للمجتمع، وتحاول في المقابل أن تفرض قانونها الخاص، أن تخلق دولة داخل دولة، أن تبيح الفوضى وكسر أنظمة الدولة، وتحمي الإرهابيين وتحفزهم وتحرضهم، كل هذه الممارسات الفوضوية إن لم يكن لها تعامل حازم قانوني صارم من قبل المعنيين بتطبيق الأمن، فحال البلد سيتحول كما الغابة التي يعيث فيها الخارج على القانون الدمار والإجرام. لذا التحية قائمة لأجهزة الدولة العاملة على تثبيت دعائم الاستقرار الأمني.
بعد ضمان الاستقرار السياسي «كيان الدولة» والاستقرار الأمني «أمن الدولة والشعب»، لابد من العمل بقوة على تأمين الاستقرار الاقتصادي، وهي النقطة التي أشار لها جلالة الملك في تراتبيتها المنطقية، وفي ظل ربطها مع دعائم استمرارية الدولة والنهوض بها.
الإنسان قد يبذل الغالي والنفيس لأجل استقرار بلده سياسياً وأمنياً، قد يبذل روحه للتصدي لأعداء بلاده، وليصد التهديدات ومحاولات الاستهداف، هذا أمر لا يناقش مع أي وطني مخلص، يعرف تماماً ماذا تعنيه كلمة «وطن» وماذا يعنيه «الانتماء لوطن».
وعليه النجاح في تأمين العاملين المذكورين، يستوجب التركيز على العامل الثالث، وهو ما ذكره جلالة الملك وأكد عليه، من خلال توجيهه بضرورة ألا تكون التحديات الاقتصادية عائقاً أمام مسيرة التنمية، وأنه يجب تجاوزها لصالح المواطن.
الجميل في خطاب ملكنا أنه أشاد بتفهم الناس ووعيهم وإدراكهم لدورهم في هذه المرحلة، مانحاً التقدير اللازم من جانبه لدور الناس في تحمل المسؤولية، لكنه أسبق قوله هذا بضرورة أن تعمل الدولة بجد وقوة لتخطي التحديات الاقتصادية وبصورة تنتهي لـ«صالح المواطن»، أي أن مصلحة المواطن لابد وأن توضع في الاعتبار في أي سياسة تتخذ، وفي أي توجه يعتمد، وفي أية برمجيات قادمة لتعاملات لازمة مع الأزمة الاقتصادية الحالية.
ثلاث إشارات واضحة في كلمة جلالة الملك بالأمس في اجتماع مجلس الوزراء، فيها تأكيد صريح على ثلاثة أنواع من الاستقرار اللازم لأي دولة، بتحققها جميعاً كمنظومة يمكننا بإذن الله أن نمضي بهذا الوطن بكل إيجابية نحو تجاوز العقبات والصعوبات، والعمل على تحقيق الخير له ولأهله.
استقرار سياسي، وأمني، واقتصادي، وكل هذا يعني إستراتيجيات وخطط عمل، تنفذ من قبل جهود أشخاص وطنيين مخلصين، تحرص أن يكون نتاج العمل محققاً لعامل «الاستقرار» بأعلى نسبة ممكنة.