تمعنت بأحد أعظم المكتسبات التي منحها لنا الميثاق الوطني و التي لم نعرف كيف نسوق البحرين من خلالها وأنا أقرأ حيثيات حكم صادر للمحكمة الدستورية والمنشور أمس في صحيفة الوطن، نعم نملك مفخرة نسوق للبحرين من خلالها في المحافل القضائية الدولية ألا وهي «المحكمة الدستورية» لكننا لم نفعل.
قد لا ينظر المنشغلون بالمناكفات السياسية إلى صرح كالمحكمة الدستورية على أنها موضوع قابل للمزايدة والطعن في مصداقيتها، لكن ليس مصدر التمنع إجلالاً لهذا الصرح عند من أطلقوا على أنفسهم تصنيف «المعارضة»، خاصة من الذين يعملون في القانون ومنهم من طعن بالميثاق ومصداقيته، إنما لأنهم يعرفون جيداً ويعرفون الآن بعد أن زاولت المحكمة الدستورية مهامها أنها واحدة من أعظم مكاسب البحرين الحضارية، فيبتعدون عن المساس بها خجلاً من ملامستها أولاً، وثانياً لأنهم عاجزون عن التشكيك بمهنيتها.
هؤلاء نعرف أسبابهم لتجاهل الخوض في موضوعها لأنها تكشف حقيقة الإصلاحات وتكشف أحد أهم أعمدته كمكتسب من ميثاقنا الوطني الذي تحقق للبحرين بشكل عام وللمواطن بشكل خاص.
إنما ما بالنا نحن؟ أو ما بال الدولة وهي -من المفترض- أنها تعرف قيمة ما لديها؟ لماذا لا تنظر إلى هذا المكتسب الحقوقي كواجهة حضارية عظيمة تضع البحرين على الخارطة القانونية والحقوقية الدولية وقصة نجاح تمكنها من تسويق مملكة البحرين تسويقاً سياسياً كما هو تسويق حقوقي؟ كنظام يحظى فيه المواطنون بأعلى درجات التقاضي، لا من خلال وجود المحكمة كوجود صوري فحسب، فسوريا على سبيل المثال لديها محكمة دستورية! إنما من خلال قراءة نصوص وحيثيات أحكامها ليعرف العالم مصداقيتها ومهنيتها.
حسبي الله ونعم الوكيل في من شوه صورتنا عامداً متعمداً قاصداً يعرف الحق وينكره، زمرة قانونيين ومحامين شوهوا صورة هذا المكتسب الحقوقي والعدلي الراقي، حتى قبل أن يصدر القانون المنظم لها، وحين صدر القانون المنظم حكموا مسبقاً أنه صوري وادعوا أن القانون لن يفعل وشوهوا الممارسة قبل أن تبدأ، وحين بدأت المحكمة وقبلت بالطعون وألغت بعض القوانين ومارست أقصى درجات المهنية العالية والنزاهة وأرست مبادئ عدلية عالية مستندة إلى آخر وأرقى ما توصلت له الحضارة الإنسانية من مبادي قانونية لا غبار عليها، سكتوا وكتموا الحق.
حكم أمس وحده وحيثياته مفخرة، وقد نشرته الصحافة لكن لا أحد يعرف كيف يقيم أحياناً الجواهر التي تقع بين يديه.
نص وحيثيات الحكم يخص دعوى تقدم بها مجلس الشورى على قانون إبراء الذمة المالية للأعضاء والمسؤولين مشككاً في دستوريته، لأن القانون وفق صاحب الدعوى يجبر المسؤول عن الإفصاح لا عن ذمته المالية فحسب بل والإفصاح عن الذمة المالية للزوجة ولأبنائه القصر، وشكك مجلس الشورى بأن إجبار الزوجة على الإفصاح عن ذمتها المالية هو إجراء غير دستوري، باعتبار ذمتها المالية مستقلة شرعاً وقانوناً عن ذمة زوجها.
وصدر حكم المحكمة الدستورية برد الطعن ورفضه، وإقرار دستورية القانون ودستورية الإجراء الخاص بالزوجة.
وحين فندت المحكمة الدستورية حيثيات الحكم استندت إلى أدلة شرعية ودستورية تفي بأن إلزام زوجة المسؤول عن الإفصاح عن ذمتها المالية للجنة الفحص لا تعني أنها إفصاح للزوج، وشرحت أن الإفصاح بذمتها المالية للجنة لا يعني أولاً دمج ذمتها المالية مع زوجها، ولا يعني أن الإفصاح للجنة سيقود إلى إطلاع الزوج ذاته على ما لدى زوجته، إذ تلتزم اللجنة بالسرية فيما لو أرادت الزوجة كتم ما لديها عن زوجها وهذا حقها شرعاً وقانوناً.
أولاً نحن نفخر بهذا القانون أصلاً وللحق قدمته كتلة المنبر الإسلامي في الفصل التشريعي الثاني ونذكر لها ذلك، ثانياً نحن نفخر بمحكمتنا الدستورية التي تحرت المصلحة العامة وألزمت بحكمها مسؤولي الدولة بأقصى درجات الشفافية في إبراء ذمتهم المالية حين يغادرون موقعهم هم وزوجاتهم وأبناؤهم القصر، واستندت في حكمها على منطق عدلي وعلى مبادئ قانونية راقية منها المستمد من أحكام الشرع ومنها المستمد من خلاصة نتاج الحضارة البشرية في الأحكام القانونية، فإذا علمنا أن 95 % من المسؤولين في الدولة قد أوفوا اللجنة بمستلزماتها ومن تبقى ينتظر هذا الحكم ومن بعد صدوره سيلزمون بتقديمها خلال شهرين، فإننا أمام تطور ديمقراطي وتطور حقوقي وتطور قضائي يمكننا أن نقدمه كواحدة من قصص النجاح ومؤشر على منجزات الميثاق الوطني.
فهل لا بد أن يأتي أمر ملكي للمسؤولين في الدولة حتى يتحركوا ويضعوا خطة تسويق البحرين من خلال هذه المحكمة الراقية بعرض أحكامها في المحافل القضائية الدولية وبعمل جولات للبعثات الدبلوماسية هنا للتعريف بها، وبتزويد بعثاتنا الدبلوماسية بنسخ من أحكامها مترجمة وبغيرها من الوسائل؟
قصة المحكمة الدستورية تكفي وحدها للرد على كثير من «كرنفالات وتهريج» الطاعنين في مصداقية الإصلاحات البحرينية في المحافل الإعلامية، لأنها تسويق للبحرين في محافل لها ثقلها ووزنها الدولي وتغني عن الكثير من القول.