لنأخذ المسألة في سياق كالتالي:
لو أن أربعة إعلاميين بحرينيين دخلوا الولايات المتحدة الأمريكية ببيان أنهم يزورونها لغرض السياحة والاستجمام، ثم بعد ذلك قبضت عليهم قوات الأمن الأمريكية وهم يقومون بعمليات تصوير ونشاطات إعلامية في موقع ما، ولو صادف بأن هذا الموقع يشهد مواجهات بين رجال الأمن الذين مهمتهم حفظ الأمن مع مجموعة من الإرهابيين الملثمين بزجاجات المولوتوف وغيرها من الأسلحة.
السؤال الذي يتبع سيناريو الـ«لو» هذا، هو «ماذا ستفعل السلطات الأمريكية»؟!
لنطرح خيارات هنا للمساعدة:
* هل ستعتبر السلطات الأمنية الأمريكية الفعل الذي قام به الإعلاميون أمراً عادياً ويدخل ضمن حرية التعبير وحرية ممارسة المهنة، ولن تأخذ أي إجراء معهم؟!
* هل ستتفهم السلطات الأمنية الأمريكية فعلهم، وأنهم لم يقدموا طلباً رسمياً لإجراء مهام عمل إعلامية داخل الأراضي الأمريكية، بالتالي ستكرمهم وستقدرهم، ولربما حجزت لهم في أغلى الفنادق، وقدمت لهم معاملة ولا في الخيال؟!
* أم أنها ستتخذ إجراءات صارمة معم باعتبار أنهم دخلوا البلاد تحت أسباب مزورة، وأنهم لم يأتوا للسياحة، وأنهم تواجدوا في موقع عمل إرهابي، وكانوا مشاركين في صفوف الإرهابيين، بل وأحدهم كان متلثماً، وكأنه إرهابي من الذين يلقون المولوتوف ويواجهون الشرطة؟!
طبعاً لا نحتاج للإجابة بتفصيل هنا، إذ حينما تحاول مناقشة الأمريكان في أمور تطبيق القانون المرتبط بأفعال إرهابية، فإنك خاسر لا محالة. فالعرف الأمريكي يقول: «واشنطن لا تتحاور مع إرهابيين»، وعليه فإن السيادة الأمريكية على أراضيها ترفض أصلاً أية تصرفات مريبة أو خارجة عن القانون، أو تتم بدون تراخيص وموافقات، بالتالي الدخول بتأشيرة سياحية والقيام بأعمال مهنية واحترافية بأسلوب «السرقة في الخفاء»، أمر قد يوصل فاعله في الولايات المتحدة إلى «غوانتنامو» بلا مبالغة.
الآن، إن أراد أحد أن يتفلسف على البحرين وعلى أجهزتها الأمنية لقيامها بإجراءات ضبط هؤلاء الأمريكان الأربعة «المتسللين» تحت غطاء «السياحة» ليمارسوا أعمالاً «إعلامية» تخدم الانقلابيين والإرهابيين، فالأفضل له أن يسكت و«يحفظ ماء وجهه»، لأنه في حال خوضه في نقاش معني بسيادة بلد على أرضها، وتطبيقها للقوانين على المخلين، فإن المطلوب منه أولاً أن يقبل ما حصل في بلاده قبل أن يطالب الآخرين بقبوله.
نفس الحالة الحاصلة ذكرتني بحادثة حصلت في عام 2011، حينما قدمت للبحرين مراسلة تتبع الـ«بي بي سي» من أصول آسيوية، وضربت المهنية بعرض الحائط، وصورت فيلما وهي بمعية عناصر انقلابية معارضة، وصلت درجة التصاقها بهم لمستوى مشاركتها في مظاهرة تحولت إلى مواجهات مع الشرطة، ووثقت ذلك في الفيديو الذي عرض.
هذا الفيديو بالتحديد أشار له أبرز المراسلين المعروفين في الـ«بي بي سي» السيد فرانك جاردنر في تقرير هام أعده حينما زار البحرين للتحقيق في شأن التغطية الإعلامية التي قامت بها الـ«بي بي سي» من خلال بعض مراسليها، وخلص التحقيق إلى تضمين 11 صفحة كاملة عن البحرين في تقرير مجلس «الثقة» لهيئة الإذاعة والتلفزيون البريطاني قالوا فيه بالنص إن التغطية التي تمت لأحداث «الربيع العربي» لم تكن حيادية، وبشأن البحرين خصوصاً تم الاعتراف بأن المهنية تأثرت في التغطية، وتمت الإشارة بصراحة للحادثة المذكورة أعلاه حينما تحولت مراسلتهم إلى مشاركة في المظاهرات والمواجهات ضد الشرطة، وحينما اقتصرت تغطيتها على المعارضين والانقلابيين بالأخص الذين استضافوها في بيوتهم.
هناك من خرج ليهاجم البحرين بشأن الموضوع، وأغلب المهاجمين هم من «مرتزقة إيران» في الخارج، وممن يريدون أن يشوهوا صورة بلادنا ويصوروها على أنها «تخنق» حرية الرأي والتعبير، وتمنع الإعلاميين من دخولها. بينما الحقيقة صريحة وواضحة، وكما ذكرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية في عددها بالأمس، بأن الأمريكيين الأربعة دخلوا البحرين تحت مبررات «مزيفة» حينما قالوا إنهم «سواح» وبعدها رصدوا في موقع مواجهات أمنية وأحدهم يرتدي قناعاً!
ما فعلته البحرين من خلال الأجهزة المعنية وعلى رأسها الأجهزة الأمنية هو حق مكفول لا نقبل مناقشته من أحد، بلادنا ليست «غابة» أو «ساحة لعب» مفتوحة لأي كان، لسنا دولة غير ذات سيادة ولا تملك قانونا حتى يدخل من يدخل ويفعل ما يفعل، وعلى الأمريكيين أن يبرروا الفعل فوراً، دون إغفال ضرورة تقديم اعتذار لمملكة البحرين على هذا الفعل، والذي كما أسلفنا بأنه لو حصل في الولايات المتحدة الأمريكية لما ترددوا لحظة في تطبيق القانون بشدة، ولاعتبروا من دخل أرضهم بحجج كاذبة وقام بأفعال معارضة للقانون لاعتبروهم «جواسيس» ولا شيء آخر.
حفظ الله البحرين من هذه المكائد والشرور التي لا تنتهي، والشكر والتقدير ليقظة الأجهزة الأمنية واتخاذهم الإجراءات الفورية اللازمة.