استحدثت دولة الإمارات العربية المتحدة الأسبوع الماضي منصب وزير دولة للسعادة، لتكون أول دولة عربية تضع عزمها وكل ما أوتيت من أدوات متاحة لتحقيق السعادة للمجتمع الإماراتي، من خلال مواءمة خطط الدولة وبرامجها وسياستها، وهذا ما يجعل العالم دائماً في ذهول من إمارة دبي إزاء تطورها الإداري والتكنولوجي والعمراني المستمر والمتسارع، فكلما طرفت أعيننا وجدنا في بلد العجائب عجائب، «ما شاء الله تبارك الرحمن»، فدبي أوصلتنا إلى مرحلة عدم التنبؤ بـ.. «ماذا بعد ذلك»؟
ربما لا يرهق دبي الاستقرار كما بعض الدول، فالاستقرار بكل ما تحمله الكلمة من معنى، هاجس كل دولة «الاستقرار بكل أشكاله «، فمتى ما تحقق الاستقرار تحقق الإبداع والابتكار والتقدم الحضاري وتحققت السلطة وسيادة العالم، والسيادة ليست كما يمتلكها البعض من خلال الجيوش الجرارة أو انتهاك الحقوق والحريات أو السيادة عن طريق النظم والأيديولوجيات أو عن طريق العولمة، فسيادة العالم تكون بامتلاك العقول واحترامها وصناعتها.
ولكن هل نحن بحاجة إلى وزارة للسعادة؟ أم لسنا مستعدين الآن في ظل هذه الظروف المتعثرة بأن نستحدث وزارة للسعادة، لتقيم رضانا وتخطط لسعادتنا؟ أم نحن بالفعل بحاجة إلى هذه الوزارة لأننا نمر بأوقات أصبحنا نتقشف حتى على الابتسامة وإظهار السعادة.
عن نفسي «الله يسعدك» هي من أجمل العبارات التي أحب أن أهديها لمن حولي وأحب أن أرددها دائماً، لأن السعادة هي مصدر قوة الإنسان فمتى ما كان المرء سعيداً أسعد من حوله وأصبح كتلة من الإيجابية في أفعاله وأقواله، فالسعادة أصبحت عملة نادرة هذه الأيام، بعض الناس يملكون من نعم الله الكثير ولكن لا يستمتعون بهذه العطايا، والبعض الآخر يسعد نفسه وغيره بأقل الأشياء لأسباب كثيرة ربما تكون أهمها القناعة والرضا بما قسمه الله.
ولكن بصورة عامة، ما الشيء الذي يسعد المجتمع ويجعله راضياً عن كل شيء من حوله حتى على حكومته، في المقابل ما الشيء الذي يجلب التعاسة والخوف والقلق للمجتمع ويجعله فريسة للإحباط والتذمر والتشاؤم؟ أتصور أن الإرهاب في الداخل والخارج هو مصدر شقاؤنا اليوم، العابثون في البلاد من الداخل والمتآمرين مع الإرهاب من الخارج، بمعنى أرواح تزهق وأموال تهدر بفعل الإرهاب، وطاقة منصبة في التصدي ومحاربة الإرهاب، بدلاً من أن تتسابق هذه الطاقة مع العقول المنتجة والمطورة والمبتكرة.
الفساد الإداري والمالي قصة أخرى في مجتمعنا، فهذا الفساد الكاتم على أنفسنا جميعاً هو إرهاب نفسي آخر، فكيف للدولة أن تسعد مجتمعها من خلال زيادة الرواتب، وتقدم لهم أهم الخدمات المعيشية وتهتم بجودة التعليم والصحة وغيرها من الأساسيات، وهناك في مكان ما بؤرة فساد تنتشر وتتكاثر مثل الفيروس – هل أطلق على الفساد فيروس أو ورم خبيث أو الاثنين معاً؟ - ولا أحد يستطيع أن يمنع انتشار المرض أو استئصال الورم.
فهل نحن بحاجة إلى وزير للسعادة؟ المواطن محتاج إلى وزير للسعادة.. ربما، ولكن إسعاد المواطن يجب أن يكون في متطلبات وحاجات أساسية وأولية، وعليها أن تأتي هذه المتطلبات بسرعة كالبرق، مثل زيادة الرواتب في ظل التقشف، ومسكن لائق في ظل المساحة الصغيرة، وعلاج دائم للجميع، وتعليم خاص يخاطب العقول المبتكرة والمنتجة، وسياسات واضحة واستراتيجيات هادفة، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة أخرى وهي مرحلة كيف يعبد وزير السعادة طريق الرفاهية للمواطن، وقبل ذلك كله اجتثاث الإرهاب من جذوره، وهذا يرجعنا إلى المربع الأول في تحقيق الاستقرار الخالي من الإرهاب حتى تتحقق لنا السعادة بعيداً حتى عن وزير السعادة، فمتى ما تحقق ذلك حققنا السعادة المنشودة وأصبحنا جميعاً وزراء وسفراء للسعادة.