وزير خارجية الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية عادل الجبير «ظاهرة» بحد ذاته.
ولست أورد مصطلح «ظاهرة» لأدلل على وجود مجموعة قواسم تجمع أشخاصاً هنا، بحيث تمثل «ظاهرة» أو «نمط»، بل أوردها بتوصيف شخصي لهذا الرجل الذي بشهادتي أو شهادات مئات الآلاف غيري بل الملايين يعد بالفعل «ظاهرة».
كنا نقول بأنه بعد وفاة الرجل السياسي المحنك الكبير الأمير سعود الفيصل رحمه الله، بأن فراغاً كبيراً ترك فيما يتعلق بمنصبه، فراغ من الصعب أن يسده أحد أو يعوضه.
لكنها تظل المدرسة السعودية التي أسسها الملك عبدالعزيز رحمه الله، وتبعه فيها من بعده على نفس النهج أبناؤه الملوك والأمراء، من الملك القوي فيصل بن عبدالعزيز والملك عبدالله رحمهما الله، وها هو الملك سلمان يأتي ليؤكد بأن نسل آل سعود الكرام، ما هو إلا نسل رجال أقوياء، نجحوا في إدارة دولة عظيمة خرجت رجالاً يعتمد عليهم، لديهم من الحنكة والقوة والفصاحة ما يلوي الأعناق انبهاراً.
ومن هذه المدرسة القوية جاء عادل الجبير، جاء ليشغل مكاناً كبيراً شغله رجل كبير مثل الأمير سعود الفيصل، وها هو ذا ينجح بصورة رائعة، بل باهرة في تقديم صورة بليغة لقوة المملكة العربية السعودية وقوة العرب والمسلمين، من خلال ثبات الموقف، والجرأة والجزم والصرامة، وفوق ذلك قوة البيان وبلاغة اللسان.
عادل الجبير «الظاهرة»، باتت تراقبه عيون الجميع، وتنصت له الآذان حينما يتحدث، خاصة وأنه يعبر عن الموقف السعودي، الذي حوله تلتف دول العرب والخليج والإسلام، بالأخص ممن يقفون على جبهة مقابلة لاستهدافات الغرب لنا، ولأطماع إيران بنا، ولكل حاقد كاره لتوحد أهل الخليج والعرب والمسلمين.
المميز في شخصية الجبير هدوءه وذكاؤه، يذكرنا بهدوء وحنكة الأمير سعود، الرجل الذي كان يرهب الأنظمة الغربية وهو يتحدث بهدوء، فما بالكم لو انفعل أو غضب. رجل قال بنبرة هادئة جملة تلقي الرعب في قلوب الضامرين شراً، حينما قال إن «أي إصبع يمتد للسعودية سنقطعه». قول واثق من رجل واثق يمثل نظاماً واثقاً.
وهكذا هو الجبير في مؤتمراته الصحافية، رجل لا يمكن أن يسقط في يده، صعب أن تحرجه أسئلة ماكرة، ولكل سؤال جواب على قدر السائل ونيته، فمن يتصيد في المياه العكرة هو الصيد سيكون من خلال فطنة وحصافة الجبير، ومن يريد الإجابات الصريحة سيجدها، فهذا رجل لا يلف ولا يدور ولا يناور.
مثال وزير الخارجية السعودي أعتبره مثالاً صريحاً للدبلوماسي الذي لا يعترف بالدبلوماسية الحديثة القائمة على المراوغة واللف والدوران والتمثل بنوع الموقف، بل هو - حسب رأيي - يؤسس نموذجاً جديداً لشكل الدبلوماسي الذي يتمثل بخطاب المواجهة لا المواربة، الدبلوماسي الذي يتكلم بلسان قضايا أمته ولا يضع قبلها أي أمر آخر مرتبط بمصالح أو اتفاقات، الدبلوماسي الذي يعتبر قوة الموقف وثبات المبدأ هو الأساس في كل شيء.
وسائل الإعلام الغربية باتت تخشى الجبير، باتت تهابه بشكل واضح، الخوف نابع من بديهته السريعة ومن كشفه الأسرع للألاعيب الإعلامية التي تمارس في اللقاءات من خلال «الأسئلة الملغومة»، فهو يكشفها على الفور، ويرد عليها بلا تردد، فيلقم المتصيد في المياه الآسنة حجراً، من يريد إحراجه وإحراج السعودية يقلب الموازيين عليهم فيضعهم هم في الحرج، كما حصل في الأيام الماضية مع إعلاميين مخضرمين في وسائل الإعلام الأمريكية.
التفاعل الكبير مع «ظاهرة» عادل الجبير يأتي من منطلق حاجة لدى الشعوب العربية والخليجية في وجود لسان عربي قوي يرد على الأباطيل، ويبرز القوة الخليجية العربية والإسلامية، يتحدث بكل ثقة، فتسري في عروقه الحمية وتستوعب بأن هذه الأمة عظيمة قوية إن اتحدت، وإن هي رفضت التأثر بضغوطات الغرب، وكيف أن الغرب يمكن أن ينكسر ويخنع ويذعن حينما يتمثل أصحاب الحق بخطاب القوة، وحينما يردون على الادعاءات والاتهامات بأدلة داحضة.
الملك سلمان أثبت منذ توليه زمام الأمور في الشقيقة السعودية أنه خير خلف للرجل الكبير الملك عبدالله، رحمه الله، عرف كيف يختار البشر، وكيف يضع كل شخص مناسب في مكانه المناسب، والنتيجة كما نراها اليوم، عظمة وقوة السعودية لا تحتاج لإعلام دعائي تسويقي، هي حاصلة بالأفعال الصادرة عن المسؤولين، والجبير أبلغ مثال كونه يمثل الصوت الرسمي السعودي، هو يقدم الأنموذج الأمثل والأكمل لما يجب أن يكون عليه المسؤول الذي يمثل بلده المدافع عنها.
فصاحة البيان، قوة اللسان، قوة الإيمان، ثبات المبدأ، الثقة بالنفس، والانتماء والولاء الخالص لتراب الأرض. كل هذه الأمور حينما تجدونها في مسؤول يترجمها كأفعال على أرض الواقع، حينها تجدون أمامك «ظاهرة» تقفون بالضرورة أمام «أدائها» مصفقين مهللين.
اللهم أعز بلاد العروبة والإسلام برجال أقوياء هم أهل للثقة والأمانة، هم الحامين لها المدافعين ببسالة عنها.