صحيح أن العالم أصبح قرية صغيرة ولكن بالتأكيد ليس إلى حد أن «يحتشد المئات في نيجيريا يوم الأحد الماضي 14 فبراير للتعبير عن تأييدهم لمطالب الشعب البحريني»، ذلك أن مثل هذا الحدث إنما يكشف عن قصر نظر المحرضين عليه لأنه يفضحهم ولا يدع مجالاً للشك في أن إيران هي التي نظمت ذلك، فالكل يعرف محاولات التغلغل الإيراني في نيجيريا والذي كشف عنه قبل حين ما حدث لرجلها النيجيري إبراهيم الزكزاكي والذي تم رفع صوره أيضاً في المظاهرة نفسها التي تم تنظيمها للتعبير عن التضامن مع من أعلنوا التضامن معه.
ليس هذا فحسب، فالمتظاهرون النيجيريون الذين ربما لا يعرفون أين تقع البحرين وربما لم يسمعوا عنها إلا قبل انطلاق المظاهرة بقليل «رفعوا أعلام البحرين ورددوا شعارات تدين الصمت الدولي عن انتهاكات حقوق الإنسان فيها». مثال يؤكد تدخل إيران ومساندتها لذلك البعض القليل الذي حلق بعيداً عن الواقع، ويؤكد تغلغلها في هذه الدولة الأفريقية والتي من الواضح أنها قررت أن تتخذها جسراً لنشر أفكارها وتوجهاتها في القارة السوداء.
في مرات سابقة قامت إيران بتسيير مظاهرات في بعض المناطق في الهند وباكستان وربما أفغانستان وغيرها لرفع الشعارات نفسها، وليس مستبعداً أن تكون قد وزعت أموالاً على المشاركين في تلك المظاهرات، فالهدف هو القول إن العالم كله يقف مع ذلك البعض القليل وأنه لولا أنه ضج بما يرى ويسمع لما عبر عن غضبه وخرج في تلك المظاهرات.
تكتيك إيراني مفضوح ورخيص، وإلا ما علاقة النيجيريين بما يحدث في البحرين؟ ولماذا نيجيريا وليس جنوب أفريقيا أو غانا أو زيمبابوي مثلاً؟ مثل هذا التصرف يسيء ولا يخدم ويحرف المطالب الوطنية إلى مطالب طائفية بحتة.
من تابع فضائية «العالم» الإيرانية والفضائيات «السوسة» التابعة لها في لبنان والعراق وغيرهما في الأيام التي تم فيها شحن العامة لا بد أنه توصل إلى أن إيران تعتبر القضية قضيتها وأن الموضوع ليس موضوع تعاطف ومساعدة مع نفر قليل. في تلك الأيام وعلى الخصوص في يوم الرابع عشر من فبراير حرصت إيران على تضمين كل نشراتها الإخبارية أخباراً مفصلة عن البحرين وأفردت مساحات زمنية كبيرة لاستضافة المحسوبين عليها من داخل البحرين وخارجها.
النيجيريون لا يعرفون البحرين ولا يعرفون شيئاً عن مشكلاتها ومشكلات الناس فيها، ومن رتب لهم تجمعاً رفعت فيه شعارات ضد السلطة في البحرين هي إيران التي تغلغلت في بلادهم ويتذكر العالم كيف جن جنونها عندما تعرض الزكزاكي لما تعرض له. أما «ذكاؤها» فدفعها إلى أن تربط بين البحرين وزكزاكي فرفع المتظاهرون أعلام البحرين وصور هذا الشخص جنباً إلى جنب!
المثير أن بعض المواقع الإلكترونية سارعت إلى نشر الخبر تحت عنوان «تجمع حاشد في نيجيريا دعماً» ومن دون أن تطرح ولو على استحياء سؤالاً عن علاقة النيجيريين بما يحدث في البحرين.
الهدف واضح وهو الإساءة إلى البحرين وإظهارها بمظهر الدولة الظالمة لشعبها والتي دفعت حتى النيجيريين إلى الخروج في مظاهرة حاشدة للاحتجاج على «انتهاكات حقوق الإنسان»!
اندفاع إيراني غير مبرر ومرفوض ويصنف في باب التدخل في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة. مشكلاتنا الداخلية قادرون على حلها بأنفسنا وهي ليست بالكيفية التي يتم تصويرها للعالم، وهي في كل الأحوال تعتبر بسيطة مقارنة بالمشكلات التي تعاني منها دول أخرى كثيرة وأولها إيران «الإسلامية» التي تنتهك حقوق الإنسان على مدار الساعة، وحلها يبدأ بنزول ذلك البعض إلى أرض الواقع ووقف ذلك الحلم الذي لا يمكن أن يتحقق، لا بمساعدة إيران ودعمها اللامحدود، ولا بتسيير مظاهرات في باكستان ونيجيريا.