كل من تبقى من تجار سوق المنامة ومعهم تجار سوق المحرق، وهنا نعني - التجار الصغار جداً - الذين يعود لهم ولآبائهم ولأجدادهم الفضل في تأسيس هذين السوقين العريقين يطالبون الدولة ببحرنتهما، ألا وهما سوق المنامة وسوق المحرق الشعبيين، فالتجار البحرينيين في هذين السوقين يشعرون بالغربة، كما أنهم يواجهون خطر الاندثار والإبعاد النهائي بسبب قوة التاجر الأجنبي، وما تمتلكه بعض المافيات الآسيوية من حضور طاغٍ لا يستطيع من خلاله التاجر البحريني من أن يثبِّت أقدامه في أسواق لا يمتلك فيها سوى الكثير من الهموم.
جولة سريعة أخذتها بنفسي لسوق المنامة وبعيداً عن أية ضغوطات قد تصلني أو تحرضني من طرف التجار البحرينيين القلائل الذين ما زالوا يتشبثون بأمل الاستمرار في سوقي المنامة والمحرق. لم أجد فيها ما يسر «الخاطر والناظر»، فحين تسير في أزقة السوق، يسحبك التاجر الآسيوي عنوة إلى متجره من أجل أن تشتري منه ولو بثمن بخس، وحين تتصفح وجوه الباعة، لا تجد منهم سوى الآسيويين الذين لا يجيدون التحدث بالعربية في أعرق سوق عربية في الوطن العربي!
في كل الدول التي زرناها عبر العالم، لا يمكن أن تجد في أسواقها الشعبية سوى البائع المحلي فقط، أمَّا في سوق المنامة، فإن السائح العربي أو حتى الأجنبي يفتقد إلى وجود البائع الوطني وهو يتحدث معه بلغته الدارجة، إذ في الواقع ليس أمامه سوى الآسيوي يبيعه كل ما هو محلي ووطني وكذلك الكثير من البضائع التي تخص وطنه، وهذا الأمر لا يمكن أن يحصل في أي سوق شعبي في العالم.
في سوقي المنامة والمحرق، وجوه خارج نطاق الوطن، وبضائع ومطاعم تخص الجاليات الآسيوية فقط، بل حتى المقاهي الشعبية بدأت تفتقد الوجوه البحرينية، فغالبية روادها والعاملين فيها هم من الآسيويين، أمَّا حين تدقق في أسماء المحلات، فإن الأخطاء الإملائية واللغوية الخاصة باللغة العربية المكتوبة على واجهة المحلات تكتسح بعاهاتها غالبية الأسماء، وهذه الأمور من أخطر المشاهدات التي وجدناها تهدد هوية السوق الأعرق في الوطن العربي، فلا الوجوه عربية ولا البضائع شعبية ولا الأسماء بحرينية!
هذه المهزلة تتحملها بعض الجهات الرسمية، ويتحملها كذلك الكثير من المواطنين الذي قاموا بتأجير سجلاتهم التجارية لهؤلاء الآسيويين مقابل حفنة من المال، ولو على حساب هوية أسواقنا الشعبية والتراثية، ولهذا يجب على الدولة أن تُسِن قوانين صارمة من أجل الحفاظ على ما تبقى من هوية بحرينية وطنية لسوقي المنامة والمحرق، مع معرفتنا الأكيدة، أن الوقت ربما قد فات، وأن العقار لن يصلح ما أفسده الناس بأيديهم، لكننا وبعض التجار الأوفياء لسوقهم وكذلك اللجنة الأهلية لتطوير سوق المنامة، سنتشبث بآخر أمل في سبيل إرجاع هوية أسواقنا الشعبية الضائعة، ومن أجل إعادتها لموقعها الطبيعي.