هنا نماذج من العبارات التي تم استخدامها بغية توصيل صورة خاطئة عن الذي حدث يوم الأحد الماضي. «اشتباكات اندلعت في العديد من المناطق التي تشكل معاقل للمعارضة»، «تم دعم قوات الأمن بعربات مصفحة وطائرات مروحية»، «امتنع الطلاب عن الذهاب إلى المدارس استجابة إلى دعوة الإضراب العام»، «أغلقت المحال التجارية في العاصمة المنامة وضواحيها»، «الأسواق والمجمعات التجارية خلت من المتسوقين»، وغير هذه من عبارات القصد منها واضح وهو المبالغة بغية كسب التعاطف، ذلك أن تلك العبارات تكون في الغالب مصحوبة بصور وأفلام فيديو قصيرة تجعل من يشاهدها يعتقد أن «الكلام صحيح بنسبة مائة في المائة ودقيق، ويعتقد من ثم أن البحرين عاشت ثلاثة أيام في محنة كبيرة وأن المواطنين اضطروا إلى البقاء في بيوتهم محبوسين، وأن الشوارع خلت من السيارات، والأسواق والمجمعات التجارية خلت من المتسوقين، والمدارس من الطلاب، والمكاتب بالوزارات والشركات والمؤسسات من الموظفين».
لكن المفاجأة هي أن كل هذا لم يحدث، فالطلبة توجهوا إلى مدارسهم، إلا من خاف عليه ذووه من شر أولئك الذين أرادوا بالآمنين الشر، والموظفون والعمال قضوا يومهم بشكل اعتيادي في مقار أعمالهم، ولم تخلُ الأسواق والمجمعات التجارية من المتسوقين، ولم يحدث شيء بالصورة التي حرص ذلك البعض على نشرها بغية القول إنه نجح في ما دعا إليه وأن المواطنين جميعاً كانوا معه.
من يقول بهذا يضحك على نفسه، ومن يصدق هذا عليه أن يعلم أنه قد ضحك عليه، ومن زار البحرين في الأيام موضوع الحديث وخصوصاً يوم الأحد الرابع عشر من فبراير لا بد أنه لاحظ الفارق بين الواقع وبين ما يتم نشره وبثه من أخبار وصور وفيديوهات عبر الفضائيات «السوسة» وخصوصاً فضائية «العالم» الإيرانية التي «استذبحت» كي توصل تلك الفكرة والمعلومات الخاطئة للعالم الذي يبدو واضحاً أنها نسيت أن له عيوناً وآذاناً وعقولاً يرى ويسمع بها، ويستطيع أن يميز بين الصحيح والملفق.
نعم، حدثت محاولات لزعزعة الأمن في عدد من القرى، وشهد بعضها مواجهات بين صغار ملعوب بعقولهم ورجال الأمن الذين من واجبهم أن يوفروا الأمن والأمان للجميع ويحموا الآخرين من التصرفات الطائشة من قبل أولئك الذين حرصوا على توفير ما تحتاجه تلك الفضائيات «السوسة» من مشاهد تدعم بها فكرتها، فتم التركيز على أعمدة الدخان الأسود المنبعث من إطارات السيارات التي تم إشعال النار فيها ودخان مسيلات الدموع الأبيض التي تطلق لغرض واضح وضمن معايير دولية.
أمور كهذه حدثت، ما أدى إلى تضرر بعض الممتلكات الخاصة وانزعاج المواطنين والمقيمين، لكن كل ما حاول ذلك البعض القليل مسنوداً بتلك الفضائيات توصيله إلى العالم لم يحدث ولم يكن صحيحاً، على الأقل بالكيفية التي حرصوا على توصيلها. أما المشاهد التي تم تصويرها بغية قول ما أرادوا قوله فتتوفر في العديد من البلدان وأحياناً بشكل يومي ومنها إيران ولكن مع فارق بسيط هو أن الفضائيات «السوسة» لا تغطيها ولا تبث أو تنشر عنها ولو خبراً في نصف سطر ومن دون صورة أو فيلم.
في الأيام التي يتحدثون عنها ما «غصت الشوارع بالازدحامات عندما حاول محتجون شلّ الحركة المرورية من خلال التدفق بمئات السيارات في وقت واحد في فترة الظهيرة» ولم يلحظ «تظاهرات حاشدة في طرقات العاصمة المنامة»، فكل هذا لم يحدث، أو على الأقل لم يحدث بالشكل الذي تم تسويقه واهتمت الفضائيات «السوسة» وما يتبعها من وسائل إعلامية في لبنان والعراق وغيرهما بيعه على العالم لغرض واضح وبأسلوب لا ينطلي إلا على قليلي المعرفة.