لو كانت الأخبار التي ينشرها الحوثيون يومياً على شكل تغريدات عبر «تويتر» و«فيسبوك» ومواقع إلكترونية مختلفة عن عدد قتلى قوات التحالف العربي في حرب إعادة الشرعية إلى اليمن وتلك التي يتم بثها عبر فضائية «المسيرة» والفضائيات «السوسة» المساندة لهم وخصوصاً «العالم» الإيرانية و«الميادين»، لو كانت تلك الأخبار صحيحة فإن هذا يعني أنه لم يتبق إلا عدة أيام على رفع تلك القوات الراية البيضاء والإقرار بانتصار الحوثيين وتسليم اليمن لهم مرفقاً بها باقة ورد وبطاقة اعتذار! ذلك أنه لا تمر ساعة إلا ويتم نشر خبر ملخصه «مصرع عدد كبير من الجنود في عملية القصف بالمنطقة الفلانية، وأن سيارات الإسعاف شوهدت وهي تهرع إلى المكان»، من دون أن ينسوا أن ينسبوا تلك الأخبار إلى «مصدر عسكري». أما ما يطلقون عليه اسم «الإعلام الحربي» والذي صار الفقرة الأساس في قناة «المسيرة» فيبث يومياً مشاهد لجنود مقتولين ودبابات وآليات وعربات جند مدمرة أو محترقة يقول إنها تابعة لقوات التحالف من دون أن يوفر الدليل على ذلك، وبالطبع فإن الفضائيات «السوسة» تبث المشاهد نفسها والأخبار نفسها على أنها حقيقة لا تقبل الشك.
لو أن أحداً من المشاهدين تفرغ لتدوين أعداد القتلى الذين يقول الحوثيون في أخبارهم إنهم من قوات التحالف العربي لتوصل إلى أن العدد يفوق عدد جيوش التحالف جميعا، المشاركين منهم في تلك الحرب، وغير المشاركين!
أمر غير معقول وفاضح، والواضح أن من يبيح نشر وبث تلك الأخبار يعتقد أن الناس في العالم كلهم أغبياء وأنه وصانعي تلك الأخبار فقط الأذكياء بينهم، بل إن بعض تلك الأخبار توصل للمتلقي أن الحوثيين يسيطرون على مناطق واسعة في السعودية منها عسير وجازان ونجران وأنهم قاب قوسين أو أدنى من الرياض!
نعم، الإعلام الحربي التابع لأي قوات عسكرية يعتمد في أخباره التي ينشرها عن الخصم على شيء من المبالغة، وعلى عدم إظهار الخسائر التي يتكبدها الجيش التابع له في المعارك، فهذا أيضاً يدخل ضمن التكتيك والحرب النفسية بغية التأثير على الخصم، ولكنه يحرص أيضاً على عدم بث أخبار غير واقعية يصعب تصديقها أو الاستعانة بمشاهد وصور من الأرشيف، وإلا فمن السهل على أي إعلام حربي أن ينشر ويبث ما شاء له من أخبار تصور المعارك وكأن الجيش التابع له وحده فقط المتواجد في الساحة وأن مرمى الخصم مفتوح ولا يتوفر فيه حتى الحارس.
ليس مطلوباً من الحوثيين وإعلامهم الحربي أن يقولوا إنهم تلقوا ضربات موجعة أو يعلنوا أرقام قتلاهم، فهذا بالتأكيد لا يمكن أن يحدث، وليس مطلوباً منهم أن يأتوا بشهود على كل ما يقولون ويدعون، كل المطلوب منهم هو أن يحترموا عقول وذكاء المتلقين لتلك الأخبار كي يصدقوا على الأقل بعض ما ينشرونه ويبثونه، فالمتلقي يمكن أن يصدق مثلاً خبراً يصله بين فترة وأخرى عن تمكن الحوثيين من قنص جندي من قوات التحالف العربي هنا أو هناك، فهذا وارد في الحروب وخصوصاً تلك التي تجري في المناطق الجبلية والمرتفعات، لكن أن يتم نشر وبث أخبار عن قنص جندي في كل ساعة يومياً، فهذا ما لا يمكن تصديقه، تماماً مثلما أنه لا يمكن تصديق تمكن الحوثيين من قتل مجموعة كبيرة من جنود التحالف يومياً ورؤيتهم «لسيارات الإسعاف والإطفاء وهي تهرع إلى المكان»!
ما يرمي إليه الإعلام الحربي الحوثي بنشر وبث تلك الأخبار التي يصعب تصديقها هو التأثير على الرأي العام وإحداث البلبلة وإرباك المتلقي لتلك الأخبار ولكي يرفع من معنويات عناصره، بزعم أن ذلك من حقه، ولكنه يمارسه بطريقة مثيرة للسخرية والضحك.