حدثتني صديقتي عن زيارتها لإحدى مدن الإنتاج العربية التي تضم عدداً كبيراً من القنوات الفضائية والمؤسسات الإعلامية. وتقع هذه المدينة في إحدى الدول العربية ذات الطابع الحكومي المتقدم التي تتدنى فيها نسب الفساد وترتفع فيها نسب الإبداع.
حدثتني أن في كل قناة فضائية توجد وحدة إدارية لقياس «الرضا الوظيفي»، وهذه الوحدة ليست نمطاً خاصاً بالعمل الإعلامي، بل هي سياسة دولة فرضت على جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة قياس الرضا الوظيفي للعاملين، والعمل على رفعه في الخطط الاستراتيجية. وأن المؤسسات التي تتدنى فيها نسبة رضا موظفيها أو تعجز عن رفعها في بضع سنين تكون في موقف حرج أمام موظفيها وأمام المعنيين المتابعين لأدائها في الحكومة!!
وحدثتني عن زيارتها لإحدى المؤسسات الإعلامية الكبرى والشهيرة في الوطن العربي التي تميزت لسنوات عديدة بأن موظفيها هم الأقل رضاً وظيفياً. وكيف تمكنت المؤسسة من رفع نسبة رضاهم. تقول إن أسباب عدم رضاهم لم تكن بسبب تهميش الكفاءات وتوزيع المناصب كمغانم بالواسطات والمحسوبيات، وليست كذلك بسبب سوء الأداء الإداري أو نهب الميزانية، فتلك مظاهر متخلفة من خزعبلات العصور القديمة ليس لها محل في البلد أصلاً، حسب كلام محدثتي!! وإنما كان عدم الرضا بسبب طول ساعات العمل، وانعدام أماكن الراحة وعدم توفر مطاعم ومقاهي. إذ يضطر الموظفون للخروج مسافات بعيدة نسبياً في وقت محدود في ساعات الذروة للازدحام المروري لتناول وجبات الغداء، أو يعتمدون على أنفسهم في جلب وجباتهم والشاي والقهوة من المنزل. وبعد أن قامت المؤسسة المعنية بدراسة تلك الأسباب قامت بتوسعة المنطقة المحيطة بمبناها، ومدها بساحل البحر القريب. ضربت المنطقة بسور أنيق وبنيت فيها ملاعب للأطفال تمكن الموظفين من اصطحاب أطفالهم، وعدة مطاعم ومقاهي يقدم أحدها وجبة الغداء مجاناً للموظفين. كما شيدت المؤسسة صالة رياضية مزودة بأحدث الأجهزة الرياضية وقاعات للتدريب على مختلف الفنون الرياضية. وبعد أن تم الانتهاء من تلك المرافق الملحقة نجحت المؤسسة الإعلامية في رفع نسبة الرضا الوظيفي عند موظفيها.
أظن أن الكثيرين ممن سيقرؤون هذا المقال سيشعرون بالحسد والإحباط مثلي، وسيقسمون بأغلظ الإيمان بأنهم على استعداد لزيادة ساعات عملهم دون أجر ودون مقاهي أو مطاعم لو تم إنصافهم فقط!! لذلك سأضيف أن في تلك المؤسسة وغيرها من المؤسسات في ذلك البلد وحدة أخرى لتلقي الأفكار التطويرية، يحصل صاحب الفكرة على مكافأة مجزية ويقدم لها كل الدعم المالي والإداري لتنفيذ أفكاره بعد دراستها من اللجان المعنية واعتمادها، وأن الأفكار الخلاقة هي السبيل للترقي الدائم، بل للوصول للإدارة العامة للمؤسسة.
المسألة ببساطة تختزل في سؤال: ماذا يريد المسؤولون وأرباب العمل؟ يريدون الإنجاز والربح، بسيطة، لا تتعامل مع الموظف باعتباره عاملاً أجيراً تمتلك حق التصرف به! بل تعامل معه بأنه صاحب حرفة وخبرة وقادر على النفع وشريك في العمل والإنجاز المهني وشريك أيضاً في الربح المالي.