ما ينبغي أن ننتبه له جيداً هو أن ما يحدث الآن ليس إلا نكء للجراح لا ينتج إلا المزيد من الآلام، والأفضل من كل هذا هو الانتباه إلى بعض الأصوات العاقلة التي صارت تسمع هنا وهناك وإن كانت لاتزال خفيضة وخجولة. الطريق الأول يتسبب في مزيد من تعقيد المشكلة، بينما الطريق الثاني يمكن أن يفتح باباً قد يفضي إلى حيث تتوفر أسباب حل المشكلة. ما ينبغي أن ندركه جميعاً أيضاً هو أن ما حدث في السنوات الخمس الماضية حدث وانتهى، وليس من المنطق ولا العدل أن نسعى إلى منع حدوثه، فلا أحد يستطيع أن يحكم الماضي أو يغيره. هي تجربة مريرة مررنا بها وتضرر بسببها الكثيرون منا، بل الجميع، ونكأ الجراح ليس هو الطريق المعين على الانتقال إلى المرحلة الجديدة التي لابد من الانتقال إليها. بالتأكيد ما حدث فرض معطيات جديدة، وبالتأكيد أيضاً هذا الأمر يحتاج إلى وقت غير قصير لتعود الأمور كما كانت - لو كان هذا ممكناً منطقاً وواقعاً - لكن الاستمرار فيما نحن فيه الآن مسألة يصعب استيعابها لأنها تعطل حياتنا جميعاً وتؤثر على التنمية وعلى مستقبل عيالنا، خصوصاً في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة، وما تشهده من تطورات يصعب معها حتى توقع الأحوال بعد أسبوع. الوقت الذي نضيعه في محاسبة بعضنا البعض والذي نعرف مسبقاً أنه لن يوصلنا إلى نتيجة ترضي أحداً منا الأفضل لنا الاستفادة منه في ما يعيننا على طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة نرنو من خلالها إلى المستقبل، والوقت الذي نضيعه في القيام بأنشطة تؤذي خلق الله وتربك حياتهم الأفضل أن نستفيد منه في التفكير في ما يعيننا على الوصول إلى ما قد يأخذنا إلى العودة حيث كنا، شعباً واحداً متماسكاً محباً لبعضه البعض منتصراً للحياة. ما حدث في الأيام الأخيرة لا يستفيد منه غير الأجنبي الذي لا يريد بهذا الوطن إلا السوء، والذي لا يستطيع أن يتنفس في غير هذه الأجواء، فالفوضى التي سعى القليل إلى خلقها الأسبوع الماضي مثلاً تعينه على تحقيق أهدافه والدليل هو تخصيصه تلك المساحات الإعلامية لذلك البعض الذي لم يجد كلاماً جديداً يقوله فكرر ما قال من قبل ولم ينتبه إلى أن التكرار في مثل هذه الحالة يضره ولا يفيده، كما لم ينتبه إلى أن الكثير مما قاله لا يؤثر في متلقيه لأن المستهدفين لا يقبلوا أن ينساقوا لعواطفهم وإنما يبحثون عمن يحترم عقولهم ويوفر ما يسند كلامه بالدليل والبرهان.الكلام من قبيل «إننا على العهد ماضون» و»نفسنا طويل» و»تتعبون ولا نتعب»، وغير هذا من كلام قد يفرح البعض لا يمكن أن يحل المشكلة، والاستمرار خمس سنوات في المطالبات ليس بالضرورة يعني الصمود حيث الوجه الآخر منه يعني أنهم عجزوا عن توفير الظروف التي تعين على حل المشكلة وتحقيق مطالبهم. الاستمرار في المطالبة لسنوات ليس نقطة تسجل لصالح أصحاب المطالب وإنما تسجل عليهم لأن هذا يعني أنهم لم يتمكنوا من إقناع الحكومة بشرعية مطالبهم وأهميتها للوطن، ويعني أنه ليس بينهم سياسيون قادرون على التواصل مع الأطراف ذات العلاقة بالمشكلة والاتفاق على حل ينهيها. ما فعله أولئك بين فبراير العام الماضي وفبراير هذا العام لم ينتج مفيداً، والسبب هو أنهم لم يخرجوا عن حالة نكء الجراح والتحسر على ما فات ورفض النظر إلى الأمور بواقعية، واستمرارهم في هذا الأسلوب يعني أن الفترة بين هذا «الفبراير» وفبراير العام المقبل ستملأ بالأمر نفسه وستفضي إلى النتيجة نفسها.