اليوم تبدو الأمور أكثر وضوحاً، فما خطط له البعض وسعى إليه تبين للكثيرين أنه غير قابل للتحقق، وأنه كان نتاج لحظة طغى فيها حلم اليقظة والعواطف، ففاضت فعلاً بعيداً عن الواقع وأدخلت الوطن في حالة استهلكته وعرضته والمواطنين للمخاطر. من الحقائق التي لم تعد تقبل الشك أن ذلك الفعل المجنون ليس غير قابل للتحقق فقط بل هو من المستحيلات وأنه سيظل كذلك حتى مع أي مفاجأة قد تنتج عن التطورات المتلاحقة في المنطقة، والتي يبدو أن البعض يأمل منها خيراً ومتعلقاً بها. أي تطورات تحدث في المنطقة لا يمكن أن تخدم ذلك البعض وتعينه على تحقيق ما يريد، لذا فإن الفعل العاقل هو تفرغ الجميع للتفكر في طرق تعين هذا الوطن على الخروج من هذا الذي صار فيه، والمسؤولية هنا – قبل الدولة – تقع على عاتق الجمعيات السياسية وكل ذوي العلاقة وكل من يعتبر نفسه وطنياً، فبقاء الوضع على ما هو عليه جناية في حق الوطن وضعف لا ينبغي من أهل البحرين أن يقبلوا به.
اليوم لم يعد من خيار أمام الجميع سوى أن يتكاتفوا بغية التوصل إلى حل، والحل المنطقي لا يمكن أن يرضي طرفاً دون آخر وهو يتطلب تجرع الجميع مقداراً غير قليل من الألم ونسيان ما فات أو تناسيه. الحل في الحالة التي صار فيها وطننا هو الانتصار للوطن، وهذا يعني أن كل الألم الذي قد ينالنا كمواطنين هو في سبيل الوطن الذي ترخص له الأرواح.
الأطراف ذات العلاقة بالمشكلة مستمرة حتى الآن في السير في خطوط متوازية، وهذا لا يمكن في كل الأحوال أن ينتج حلاً لأن الحل يمكن أن يحصل فقط في حالة التقاطع والتلاقي. إن حصل ذلك صار وارداً التوصل إلى تفاهمات تفضي إلى الحل الذي يمكن أن يرضي الجميع الذين عليهم أيضاً أن يقدموا الكثير من التنازلات ويتجاوزوا عن الكثير.
السير في خطوط متوازية والاستمرار في حمل ما نتج عن السنوات الخمس الماضيات من أحمال على الظهور يعني استمرار المشكلة وزيادة تعقدها، ولكن لأن الوقت لم يعد مناسباً لأمور أخرى غير التفاهم والتصالح والعودة إلى ما كنا فيه وعليه لذا صار على الجميع أن يفكروا في الانحراف عن تلك الخطوط المستقيمة ليحدث التقاطع والتلاقي وليحدث من ثم الاتفاق على طريق الحل والخروج من هذا الذي ليس في صالح أحد بل يستنزف الجميع ويستنزف الوطن.
الأمر دونما شك ليس بالسهولة التي نحلم بها، بل هو صعب للغاية، ولكن لا مفر منه لأن الطريق الآخر هو الافتراق إلى الأبد، وهذا غير ممكن منطقاً وواقعاً وتاريخاً وجغرافياً، هذا قدرنا وليس لنا فيه حيلة. فالاستمرار في ما نحن فيه لن يوصلنا إلا إلى المجهول، ولكن ليس أي مجهول وإنما المجهول الذي لا يعرف معنى الخير ويزيدنا افتراقاً وألماً.
لأن الجميع صار يعرف كل هذه الحقائق، ولأن الكثيرين اكتشفوا مقدار الخطأ الذي تم ارتكابه قبل خمس سنوات، ولأن البعض غير القليل بدأ يغير قناعاته وتتغير مواقفه ويتحول من سالب إلى موجب وصار ينظر إلى الأمور بواقعية بعد ما تبين له أن أمراً قد دبر بليل وتورط فيه البعض، لذا يمكن القول بأنه حان الوقت لاتخاذ قرار جريء من قبل كل ذوي العلاقة وعلى الخصوص الجمعيات السياسية التي تردد بأنها تنادي بالإصلاح وليس بالإسقاط، قرار يؤدي إلى تهميش ذلك البعض القليل الذي لايزال أسير خياله، ويمهد الطريق للتحول من السير في تلك الخطوط المتوازية إلى حيث يمكن التقاطع والتلاقى.