قد يتساءل البعض ما هو موضع الخلاف بيننا وبين إيران؟ لماذا نحن في خلاف بدل أن تربطنا علاقة مبنية على التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة؟ مع إيران «الدولة» ليس لدينا أي خلاف، فعلاقتنا بها يجب أن تكون شبيهة بعلاقتنا بتركيا، وسبب خصامنا هو «الثورة» في إيران، والثورة مبنية على أسس أيديولوجية وهي توسعية، وهدفها المعلن هو تصدير الثورة ونحن كعرب وكدول وشعوب نرفض «ولاية الفقيه».
وللعرب وإيران «الدولة» مصلحة مشتركة في استقرار المنطقة، وفي استتباب الأمن. كما أن الصراع يؤذي إيران «الدولة»، ويؤدي إلى عزلتها، كما أن الاضطرابات الإقليمية تمنع المستثمرين العالميين من ضخ أموال في إيران، يضاف إلى ذلك أن أسعار النفط المتدنية تقلل من ربحية الاستثمارات في القطاع النفطي الذي يعول عليه الاقتصاد الإيراني بالنهوض. ولكن من جهة أخرى فإن الاضطرابات مكنت إيران «الثورة» من تصدير الأيديولوجية إلى الجوار العربي.
في إيران هناك ازدواجية تتمثل بدولة لها مؤسساتها وجيشها، وثورة لها مرشدها ويخضع له حرسها، وللثورة سيطرة على مرافق لا تدخل في موازنة الدولة. فبعد عام 1979 لم تنجح إيران في تصدير الثورة إلا للبنان من خلال «حزب الله». وكان وقتها جنوب لبنان يرزح تحت وطاة الاحتلال الإسرائيلي مما دفع المجتمع اللبناني لاحتضان «حزب الله» لأنه كان يمثل المقاومة لإسرائيل، بالرغم من أن أسسه الأيديولوجية المبنية على «ولاية الفقيه» مرفوضة كلياً من اللبنانيين بكافة أطيافهم وتوجهاتهم. وكما في إيران ففي لبنان هناك الدولة اللبنانية الضعيفة و»حزب الله» الذي له كل مكونات الدولة داخل الدولة.
واليوم يساعد الصراع إيران «الثورة» على نشر هذا النموذج في الجوار العربي. فالدول الضعيفة تشجع الناس على تقبل هذا النمط من أجل الحماية.
ففي العراق لو كان الجيش العراقي الذي أنفقت عليه واشنطن ما يفوق 25 مليار دولارمؤهلاً، ولو استطاع التصدي لتنظيم الدولة «داعش» الذي يفوقه بالعدد والعتاد في الموصل في صيف 2014 لما أسس ما يسمى «الحشد الشعبي» الذي هو تابع لإيران.
فاليوم في العراق هناك الجيش العراقي، ومن جهة أخرى هناك «الحشد الشعبي»، والميليشيات الشيعية التي تأخذ أوامرها مباشرة من قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وهذا ما تسعى لعمله «الثورة» في اليمن، وفي سوريا. ففي سوريا تعمل «الثورة» على خلق ميليشيات ما يسمى بـ «قوات الدفاع الوطنية» على شكل مشابه لـ «حزب الله» مما يضمن النفوذ الإيراني في حال أنتجت الحكومة الانتقالية التي يتم التشاور حولها عن تخلي بشار الأسد عن سدة الحكم. وفي اليمن استقطبت الحوثيين ودعمتهم من أجل تأسيس موطىء قدم لها في جوار المملكة العربية السعودية.
هذا ما يخلق القلق عند العرب! ليست إيران «الدولة» بل إيران «الثورة». وهنا نتساءل ما هو تاثير الانفتاح على نظام الحكم في إيران؟ هل سيقضي الانفتاح الاقتصادي على الثورة كما فككت الأيديولوجيا الشيوعية الشمولية التي بني عليها الاتحاد السوفيتي من قبل؟ أم بالعكس فالملالي سيعزلون أنفسهم عن الانفتاح الاقتصادي وسيزيدون من شراستهم في الحفاظ على الأيديولوجية حتى لا يقال عنهم إنهم باعوا أنفسهم لـ «الشيطان الأكبر»؟