لو عدنا لقراءة التاريخ، وتحديداً التاريخ الإسلامي، سنجد أن انهيار الدول كان قائماً في الأساس على مدى «الاختراق الداخلي» في بنية الدولة، وما يقابله في جانب معاكس مدى «إبعاد» المخلصين والوطنيين.
في كل الدول التي مرت بها أمتنا الإسلامية كانت هناك محاولات اختراق للصفوف، بعضها تم كشفه وفضحه، وعومل من ضبط يقوم بهذا الفعل على أنه «خائن» للأمة و»خائن» لولي الأمر وللمسلمين، وأقيم عليه الحد. لكن بعضهم لم يكتشف أمرهم، اندسوا مثل الماء الذي يتخلل الأصابع، تلونوا وغيروا ألسنتهم، فكانوا وبالاً على الأمم.
لذلك وصف الطابور الخامس الذي أطلقه أدولف هتلر في الحرب العالمية، ليس وصفاً جديداً، بل هو «مصطلح» كانت ممارساته موجودة منذ الأزمنة الغابرة.
بعض المسلسلات التركية التاريخية التي تعرض الآن على القنوات، تسرد تاريخاً مهماً معني بقيام الدولة العثمانية، ومن ضمن ما تطرقت له حجم «الخيانات الداخلية» وكم «الجواسيس» و»العملاء» الذين زرعهم إما الفرس أو المغول أو المسيحيين بهدف إضعاف دولة الخلافة.
الفكرة فيما نقول، إن «الاختراق» موجود في كل زمان ومكان، ومن يقوم به هم «الأعداء» ولا وصف آخر لهم، وأن هدفهم واحد لا يتغير، هو الإطاحة بالأنظمة وإسقاطها، لذلك يقال دائماً بأن «العدو الظاهر» بأفعاله وإعلانه العداء علانية أقل خطراً من «العدو الخفي» الذي يكون بين ظهرانيك، وقد يكون جالساً إلى مائدتك، شارباً وآكلاً ومسافراً معك. هذا من يمكن أن تأتي منه ضربة قاتلة، كونها لن تكون طعنة في الصدر من مواجه لا يخاف، بل ضربة في الظهر من جبان خائن رعديد.
وهذا بالضبط ما حصل في البحرين، حينما كشف من مارس دور «الخائن» و»العميل» قناعه، وحاول لبس رداء الشجاعة والمواجهة، رغم أن الشجاعة كوصف والله عنهم ببعيد، وما فعلوه هي الخيانة بعينها، وما قام به بعضهم ممن يقودونهم، ممن كانوا ينافقون ويمثلون في القصور والمجالس الخاصة بالقادة، كان المثال الأصح لكيفية اندساس المنافقين والكارهين، وكيف يكون الاختراق.
لذلك فإننا نقول ونكرر، تذكروا المثل العربي الشهير «كيف أعاودك وهذا أثر فأسك»، إذ يستحيل أن ينقلب حال الخائن فيصبح موالياً لك، يستحيل أن يدافع عنك من أراد يوماً زوالك وسعى له وتحالف مع أعدائك.
وعليه نقول اليوم إن الهدوء وخفوت وتيرة الصراخ والهجوم لا يعني نهاية الأمر، بل على العكس، فهناك ما يطبخ تحت الرماد، وهناك من عاد ليعمل بصمت ليعيد تركيب المخطط المفكك بعضه البعض من جديد متحينا الفرصة المناسبة. هناك من سيظل هاجسه اختطاف البلد وإسقاط النظام وإشعال الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.
وهنا من يظن بأن احتواء «المخترق» و»الخائن» فن أو دبلوماسية أو ذكاء، فليصحح فهمه وإدراكه، الغدار لا أمان له، قد يسايرك فترة، قد يغير خطابه، قد يتلون، قد يمارس «المكر والخديعة» باعتباره في قرارة نفسه أنه يخوض حرب مصير، بالتالي لا هي علاقة صحية قائمة على الثقة، ولا تسليم بأن الاثنين في خندق واحد اسمه الوطن، كلها مهادنات وقتية، كلها مخططات مخفية، كلها حسابات تنتظر لحظة تراخ وغفلة.
الخطأ الجسيم الذي قد تقوم به الدول ويضعفها بشكل كبير ويجعلها عرضة للاستهداف وتحول دفاعاتها القوية إلى أخرى «هشة»، هي حين تتخلى الدول عن أسلحتها، حينما تظن بأنه لا حاجة لها فيها الآن، بأن الأمور لن تعود للسابق، ولن تتطور لمستوى يستدعي استخدام الأسلحة مجدداً.
سلاح الوطنيين اليوم هو صمودهم وثباتهم وتصديهم للمخترقين والخونة والمغرضين، وفي حربنا ضد من يستهدفنا كان واضحاً سلاح الإعلام والصحافة، وكيف كانت أصوات المخلصين عبر هذا المنبر «تقض مضاجع» الانقلابيين، وتدحض ادعاءات المرجفين.
بالتالي أي ظن بأن إسكات الأصوات وإضعاف قوة التصدي الإعلامي، وتحجيم رأي المخلصين في مواجهة هؤلاء، هو بمثابة منع للتأزيم، أو ضمان لضبط الأمور، وتسهيل لعميلة الاحتواء، فإنه ظن يجعلنا ندخل نفق التخلي عن أسلحتنا التي وقفت ومازالت وستظل مدافعة عن البحرين ونظامها الشرعي ورموزها.
بدل ذلك، ينبغي فتح العيون جيداً، ينبغي تذكر ما حصل بغية عدم نسيانه لأجل العمل على تفادي حصوله مجدداً. الانقلابيون يريدونكم أن تنسوا ما حصل، أفاقيهم في إعلامهم الأصفر يريدون أن يبدلوا الخيانة بدعوات للتسامح والتعايش، وهم إن عاد بهم الوقت لنفس ما حصل سيقومون بنفس العمل وسيهتفون بنفس الشعارات وسيسعون لإسقاط ما يحلمون بإسقاطه.
الاختراقات حصلت بسبب طيبتنا، حصلت بسبب توسمنا الخير ومنحنا الثقة لمن لا يستحقها، والنصيحة اليوم بألا تكسروا أسلحتكم أو تعطبوها، بل العمل على منع الاختراقات والتصدي لمحاولات التسلل الخفية وكشف المخططات التي تحاك وتطبخ تحت الرماد.