الحقيقة التي ينبغي أن نضعها أمامنا ونعطيها أكثر مما يتطلب الأمر من الاهتمام هي أن نتاج تحرك الآخرين إيجابي ونتاج تحركنا سلبي، نتاجهم يأخذهم إلى الأعلى أو على الأقل يهيء لهم الظروف المعينة كي يرتقوا ويتطوروا ويصلوا إلى الأعلى، ونتاجنا يجمدنا ويأخذنا إلى الأسفل، لهذا فإن الفارق بيننا وبينهم صار كبيراً وسيزداد طالما بقيت الأمور على ما هي عليه، بل لعلنا نكتشف في لحظة أننا صرنا في آخر الصف، وهو ما لا يليق بالبحرين، هذه المملكة العريقة، الموغلة في التاريخ والتي أضافت للحضارة الإنسانية الكثير.
من الطبيعي أن تكون ظروف أشقائنا في دول مجلس التعاون مختلفة عن ظروفنا في البحرين، ومن الطبيعي أيضا أن يتقدموا ولا نتقدم حيث التقدم يتطلب الاستقرار والبناء، بينما أضعنا نحن خمس سنوات من حياة وطننا في السالب من الأعمال وكأننا ننتقم منه.
اللوم في هذه الحال ليس على طرف دون آخر، فالجميع سبب في وصولنا إلى ما صار يسبب لنا الشعور بالمرارة، خصوصاً ونحن نرى كيف أننا نتأخر أو على الأقل ثابتين حيث نحن في مكاننا بينما الآخرون يتحركون إلى الأمام ويتقدمون. والجميع يتحمل المسؤولية، لكن المسؤولية الأكبر يتحملها ذلك البعض القليل الذي لايزال متشبثاً بحلم لا يتحقق، ولا يمكن أن يتحقق، والذي اعتقد في لحظة أنه قادر على الارتقاء بالوطن وبالمواطنين لو أتيحت له الفرصة التي يحلم بها.
المسؤولية الأكبر يتحملها هذا الطرف الذي دخل في لعبة السياسة وهو لا «مريال» له فيها ويفتقد إلى الخبرة وركن في تحركه إلى العواطف، معتقداً أنه بالركون إليها وبالعزف على الوتر الطائفي ورفع شعارات المظلومية يمكن أن يصل إلى ما يريد الوصول إليه، ومعتقداً أن «الاستعانة بصديق» تنفع في مثل هذه الأحوال فرمى بنفسه في ذلك الحضن الذي لا يمكن أن يصير دافئاً مهماً كانت الشعارات التي يرفعها ساخنة.
في كل الأحوال، لم يعد نافعاً تبادل الاتهامات خصوصاً في هذه المرحلة التي يبحث فيها أولئك عن مشجب يعلقون عليه أخطاؤهم، ذلك أنه من الطبيعي أن يقولوا إنهم ليسوا السبب ويكيلون ما يشاؤون من اتهامات للحكومة ولكل من يؤازرها. الأهم الآن هو البحث عن الطرق التي تعين على توفير الأسباب التي تخرجنا من الجمود إلى الحركة، ومن السكون إلى العمل، ذلك أن من الظلم أن يبقى الحال على ما هو عليه وأن نتأخر عن الركب.
الانطلاق من أن هذا الوطن هو وطننا جميعاً والتأكيد على أننا جميعاً نسعى إلى خيره وخير المواطنين أمر يقود حتماً إلى ما يعين على تغيير النظرة إلى مختلف الأمور. هذا يعني أن علينا أن نعيد تقييمنا للأمور ونعيد موقفنا من مختلف الأطراف ذات العلاقة ونكون على استعداد لتقديم كل ما ينبغي تقديمه من تنازلات وتجاوزات عن أمور قد يصعب التنازل عنها وتجاوزها، وأن نثق تماماً في أن استمرارنا في هذه الحال نتيجته المنطقية تقدم الآخرين وتأخرنا واستنزاف طاقاتنا وقتل كل حلم جميل من أحلامنا.
اليوم ليس أمام ذلك البعض القليل الذي سعى طويلاً إلى تحقيق الأهداف التي وضعها لنفسه سوى أن يعود إلى الواقع ويحدق في المشهد جيداً ليكتشف مقدار الألم الذي تسبب فيه لهذا الوطن والحال التي صار فيها المواطنون والتي هي نتاج فعله المتهور. بقاء الحال على ما هو عليه يتضرر منه الجميع ويعيق تقدم الوطن. لا نستطيع أن نوقف تقدم الآخرين وليس هذا هو المطلوب ولكن نستطيع أن نعمل ما يعيننا على الخروج مما صرنا فيه.