دائماً شهادتي مجروحة في إذاعة البحرين، إذ كنت أقول وغيري كثيرون إن نسبة الحرية فيها عالية، كذلك الجرأة في طرح المواضيع، ومنح المواطن مساحة للتعبير والتنفيس عن نفسه، وطرح الهموم والمشاركة في النقاشات واقتراح المعالجات.
خلال اليومين الماضيين تأتى لي متابعة برنامجين مميزين، الأول عند الظهيرة من تقديم الإعلاميين المبدعين علي القطان وهدى درويش، والآخر مساء من تقديم الثنائي الإعلامي المتألق والمميز دائماً عماد عبدالله وسيما العريفي.
البرنامجان طرحا موضوعين في غاية الأهمية، طبعاً في كل يوم تطرح مواضيع هامة يتفاعل معها الناس، لكنني سأتوقف عند موضوع برنامج عماد وسيما يوم أمس، باعتبار أنني رفعت السماعة واتصلت في الإذاعة وشاركت بمداخلة في برنامج ظهر أمس الأول الذي تطرق لمواضيع معنية بالتلاميذ الصغار وما يتعرضون له من مشاكل وكيفية معالجتها.
لكن موضوع مساء أمس له تأثيره المباشر على كل إنسان نقي السريرة، حي الضمير، يريد مرضاة ربه في عمله، ويريد أن يسود الخير في المجتمع وأن يعم ويشمل الناس جميعاً.
تطرق البرنامج لـ «أبواب الخير»، وهو اسم مجموعة حساب نشط على وسائل التواصل الاجتماعي، يديره مجموعة من الإخوة البحرينيين أصحاب الأيادي البيضاء، خصصوه لخدمة كتاب الله وخدمة القضايا الإنسانية التي تحصل في مجتمعنا من منطلق أساسي يدعو إليه ديننا الحنيف ألا وهو التكافل المجتمعي.
في برنامج الأمس تحدثت إحدى البحرينيات الفاضلات عن تجربتها مع المرض، وتحديداً الفشل الكلوي، وكيف أن القائمين على الحساب تفاعلوا مع قضيتها ونشروها في وسائل التواصل الاجتماعي، طالبين تفاعل ومشاركة الناس بالتبرع والعمل على توفير العلاج لها، حالهم مع كل قضية يطرحونها معنية بقضايا إنسانية، سواء أكانت لعلاج أو كسوة أو مساعدة معوزين أو عمل خير أو وقف يستفيد منه الناس.
ليس جمال الموضوع يتوقف هنا، بل الأجمل أنه يمتد لما هو أبعد من ذلك، حيث بينت المتصلة أن أمر مساعدة القائمين على هذا الحساب طيب، إذ تواصل معها شخص عارضاً التبرع لها بكليته دون مقابل، ودون أن يعرف من تكون الأخت.
تستمع لمثل هذه المواقف فيقشعر بدنك، لا دهشة بل سعادة، فهذه هي البحرين الحقيقية، هذه هي مواقف أهل هذه الأرض الطيبة، وما يرصد من تفاعلات مع مثل هذه القضايا الإنسانية التي تطرح بهدف طلب تكافل الناس وتعاونهم يثبت ويؤكد أن هذه الأرض بخير، وأن فيها خيراً كثيراً مصدره أهلها الطيبين.
أكتب هذه السطور وأنا لا أعرف من القائمين على حساب «أبواب الخير»، ولم يسبق أن تواصلت معهم، بل أستذكر أنه قد طلبوا في عدة مرات مساعدتهم في نشر بعض الحالات عبر حساباتنا في وسائل التواصل الاجتماعي، والحق يقال إننا نحن المقصرون معهم في الدعم.
الهدف مما نقوله اليوم يتمثل في أن عمل الخير لا يحتاج لأن يكون ضمن مشاريع أو كيانات رسمية، من يريد أن يعمل الخير يمكنه فعل ذلك بأبسط الطرق وأسهل الأمور. وهذا ما أراه رحمة من رب العالمين، حين لم يقصر عمل الخير ومساعدة الناس على ميسوري الحال، أو على الدول أو الأنظمة، بل حتى الفرد طفلاً أو شيخاً يمكنه أن يكون مصدراً للخير ومساعدة الناس.
أحيانا نستسهل الأمور، أحياناً نقول إن هذه الحالات هي مسؤولية الدولة حتى تقدم لها العون والمساعدة، أو مسؤولية الجمعيات الخيرية، لكننا ننسى أن أعظم أنواع الخير وأكثرها أجراً هي تلك التي تكون من الفرد نفسه، بتلقائية المجتمع، وعبر إحساسهم بأن التكاتف لأجل الآخرين واجب ومسؤولية.
أقول نستسهل الأمور، لأننا نغفل عن التمعن في مفهوم التبرع والصدقة والمساعدة المقدمة للآخرين، نستسهل مبلغ 100 فلس أو حتى دينار، وننسى أن الأجر والثواب عند الله تعالى، هو من يقدر وهو من يؤجر.
أحسست أن الواجب تخصيص هذه السطور لتسليط الضوء على مثل هذا النموذج المضيء في خدمة المجتمع، حساب على وسائل التواصل الاجتماعي حقق الكثير من الإيجابيات وسهل على الناس فعل الخير، وساعد كثيراً ممن تبين لهم أن البحرين فيها خير كثير، وأن شعبها بتلقائيته وطيبته وفطرته على المساعدة مازالوا على عهد التكافل والتكاتف باقين.
اللهم احفظ البحرين بفضل هذه الأعمال الخيرة، وألهم الجميع لفعل الخير ومساعدة الغير.