قبل أعوام خلت، كانت منابر الجمعة في كافة الدول العربية الإسلامية تتعرض بشكل مباشر وأسبوعي لقضية فلسطين وعاصمتها القدس وما يتعرض له أهلنا من ظلم وبطش من طرف العدو الإسرائيلي، لكن، وبعد أن تآكلت القضية الفلسطينية بفعل عوامل التعرية السياسية خصوصاً بعد مرحلة ما يُسمى بـ «الربيع العربي»، إذ بدأ الخطباء ينسون فلسطين ومن فيها، كما تناسى غالبية الإعلاميين والمحللين والخبراء الإستراتيجيين من العرب والمسلمين قضيتهم الأم بشكل مقزز ومرعب.
بين الفينة والفينة نحاول أن نتطرق ونطرق باب القضية الفلسطينية لتنبيه أنفسنا ومن حولنا حول أهمية هذا الملف الذي لا يموت، فنسياننا لهذه القضية المصيرية هي نسياننا لقضيتنا التي تعني قضية شعب وهجرة شعب وظُلم شعب وحصار شعب عربي بأسره، ومن يتجاهل طرح هذا المشروع القومي في المناسبات والمحافل السياسية والدينية والثقافية فقد خان القضية العربية الأولى عبر تاريخنا الحديث، بل يكون الإستهجان لذلك مضاعفاً حين تتغافل النخب كل النخب دون استثناء موضوع «فلسطين».
اسرائيل اليوم تريدنا أن ننشغل بقضايانا الجانبية والهامشية على حساب القضية الفلسطينية، تريدنا أن نحرك القضايا التي تفتت وحدتنا العربية والإسلامية، وتريدنا أن نناقش اختلافاتنا المذهبية والعقائدية والفقهية في مقابل الصمت عن القدس ومحاولة تهويدها من طرف الصهاينة، وبالفعل، لقد نجحت اسرائيل لحدٍ كبير في إشغالنا بالقضايا الجانبية المتعلقة بالإختلافات الفقهية التي تناقش بتفاصيل مملة طريقة اختلاف وضوء المسلمين في الوقت الذي نسينا دماء المسلمين تهدر على مشارف غزة وحيفا والقدس العربية وبقية المدن الفلسطينية المحاصرة والمحتلة.
صَمَتَ خطيب الجمعة، وصَمَتَ معه الشاعر والمثقف والسياسي وكل قطاعات المجتمع المدني عن البوح وتناول ما يمكن تناوله فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لأنهم ليسوا من النخب الحقيقية أصلاً، ولو كانوا كذلك لحاربوا حتى آخر قطرة دم أو حبر أو حنجرة من أجل قبلة العرب والمسلمين الأولى، وهذا من الغدر الذي لن تشفع معه الأيام والمستقبل وكل الأجيال القادمة، فخذلان فلسطين يعني خذلان القيم والمبادىء والعروبة، وهذا «الصمت المطبق» سيكون وصمة عار على جبين كل من باع القضية الفلسطينية أو تجاهلها لأي سبب كان، أو لمن تاجر بها من أجل كسب سمعة زائفة في هذا الزمن الزائف.
يجب علينا كعرب أن نضع القضية الفلسطينية في سياقها التاريخي والزمني، وأن لا نخرجها من دائرة الضوء الدولي، كما يجب تحشيد كل الإمكانيات المتاحة لتبني هذه القضية، بغض النظر عن كل العواصف والمحن التي نمر بها، فلو انشغلنا بفلسطين بقدر انشغالنا ببعض قضايانا العربية التافهة والعقيمة، لأنقذنا دماء وأطفال ونساء وسجناء ومحاصرين ومعذَّبين من الداخل الفلسطيني، لكننا آثرنا أن نتبنى معارك خاسرة حتى ولو كانت على حساب الحاضر والمستقبل لشعب يعزّ علينا أن نتركه يقاتل وحدهُ من أجل كرامته، فهل هذا هو الخذلان العربي؟ أم أنها القضية المنسية؟