في دورة حضرتها وكانت مخصصة للفتيات المراهقات، طرحت عليهن المدربة سؤالاً تقليدياً وهو: من شخصيتك المفضلة؟ وطبعاً كانت أغلب الإجابات طريفة لأنها طرحت أسماء أبطال الإعلام الجديد الذين أجهلهم تماماً، وخصوصاً أبطال «السناب تشات». ولكن الإجابة الصادمة التي تكررت عند بعض الفتيات واضطرتني للتداخل معهن، هو إعجاب بعضهن بشخصية هتلر!
استوقفت إحدى الفتيات التي أجابت بأن هتلر هو شخصيتها المفضلة. وسألتها هل أنت جادة أم تمزحين؟ نظرت إليّ في تعجب وقالت: نعم أنا جادة. وعقبت فتاة أخرى خلفها: وأنا أيضاً أحب شخصية هتلر. فسألت الفتاة الأولى: ماذا يعجبك في شخصية هتلر؟ أجابت بكل ثقة، القوة التي يمتلكها، وقدرته على توحيد الجيش وقيادة بلده والصمود في الحرب. سألتها: هل تعرفين أن قوته تسببت في حرب عالمية كاملة وفي تدمير ألمانيا وفرنسا؟ أجابت: نعم فقد قرأت كتابه كفاحي وأعجبت بالقوة والثقة والمثابرة التي يمتلكها. وكانت إجابتها مفاجأة ثانية لي، فأنا شخصياً لم أقرأ سيرة هتلر، ولم يدفعني أي فضول لقراءتها أصلاً!! قلت لها لكن هتلر كان ديكتاتوراً لا يسمع غير صوته الداخلي، وهو عنصري لا يعترف إلا بالعرق الآري الألماني! فأجابتني: وماذا في ذلك يكفي أنه كان قوياً! ثم استطردت قائلة: وتعجبني أيضاً شخصية تشي جيفارا القوية والمناضلة. وهنا استثمرت المفارقة كي أمارس وظيفتي التقليدية في الوعظ وبينت لها أن ثمة فارقاً بين قيم هتلر العنصرية والديكتاتورية وقيم جيفارا الأممية والمنحازة للشعوب المظلومة والطامحة إلى التحرر والعدالة. واقترحت عليها مشاهدة الفيلم الذي يروي سيرة جيفارا، وأنا في الحقيقة لم أشاهده أصلاً، وكانت المفاجأة أنها قالت لي إنها قرأت سيرته وهي أعمق من الفيلم!! أما أنا فقد تلقيت المفاجأة الثالثة فلم أكن أعلم أن جيفارا كتب سيرته الذاتية!
إعجاب المراهقات بشخصية هتلر وميولهن نحو امتلاك القوة قادني للبحث في شبكة الإنترنت عن «حب هتلر» والإعجاب به. ووجدت فعلاً أن طيفاً واسعاً من الشباب العربي يحب هتلر. بعضهم عبر عن إعجابه بتصفيته لليهود، لكن الغالبية كانت مفتونة بقوته وحسمه وصموده. وهنا نسأل ما سر تعلق الشباب بقضية القوة؟ هل هي حالة تماهٍ مع حالة العنف التي تجتاح المنطقة؟ أو شعور بالعجز والضعف تجسد بالإعجاب بشخصية تحدت العالم بقوتها وشحنت شعباً كاملاً ضد العالم؟
نحن أمام فئة خاصة من الشباب تقرأ في عصر تعد القراءة فيه بيتاً مهجوراً، لكنها تقرأ في اتجاه مقلق وتعتنق قيماً مشوهة قد تؤثر على وعيها المستقبلي وعلى درجة حكمها على الأشياء وتقييمها للمواقف. فالرغبة في امتلاك القوة والتعبير عنها والوقوف بتحدٍ أمام الآخر صار رغبة دفينة تتسرب من وجدان الشباب وتعبر عن نفسها بصور متعددة. وتلك مسألة تعبر عن واقع اجتماعي متأزم ومهزوز ومتأرجح بين كبت التعبير عن الرأي والتطرف في استخدام العنف بمختلف درجاته اللفظي والجسدي والإلكتروني.