يعتبر المسؤولون الإيرانيون نظام الانتخابات في جمهورية إيران الإسلامية «الديمقراطية الأفضل على وجه الكرة الأرضية قاطبة»، رغم عمرها القصير، والذي لا يمكن أن يقارن مع الديمقراطيات الغربية العريقة، كما أنهم يصرون على أن الشعب الإيراني هو مصدر كل السلطات، ومن يقرأ ما تكتبه الحكومة الإيرانية وتنشره وتبثه عبر مختلف وسائل الإعلام عن نظام الانتخابات يمكن أن يشاركهم هذه القناعة، خصوصاً إن كان من المتحمسين لسبب أو لآخر لإيران وتجربتها ولكنه في النهاية لا بد أن يصطدم كغيره بالسؤال الكبير والذي ملخصه: كيف يمكن وصف ما يجري في إيران من انتخابات بأنها ديمقراطية؟ وكيف يصف المسؤولون الإيرانيون هذه الديمقراطية بأنها الأفضل على وجه الكرة الأرضية قاطبة بينما الأمور كلها تؤول أولاً وأخيراً إلى المرشد الأعلى؟
سؤال صادم ولكن هذا بالفعل هو ما يجري في إيران، فمن يريد الترشح لأي مجلس ينبغي أن يحصل على موافقة ومباركة المرشد الأعلى أولاً، وكل مجلس فيها تظل قراراته معلقة حتى تحصل على موافقة المرشد الأعلى الذي يعتبر ممثل الله سبحانه وتعالى على الأرض، ولا يمكن لأحد كائناً من كان أن يخالف له أمراً أو يفرض قراراً لا يوافق عليه «الولي الفقيه». هذا يعني باختصار أن هناك تناقضاً واضحاً بين مفهوم الديمقراطية وبين ما يجري في إيران باسم الديمقراطية، ففي إيران مثلاً لا يمكن لأي شخص أن يرشح نفسه للبرلمان لو كان لا يؤمن بما تؤمن به الفئة الحاكمة، فهناك شروط تحرم غير الموالي للنظام من الترشح للبرلمان ولأي مجلس آخر، أياً كانت قدراته وخبراته وتجاربه، فأي ديمقراطية هذه التي تفرض توجهاً معيناً ولا تسمح للمواطن الإيراني المختلف في أي شيء مع النظام أن ينافس على مقعد وإن كان صغيراً؟ وهذا يعني باختصار أيضاً أن الديمقراطية في إيران شكلية وأنها من نوع «لزوم الشيء أعلاه»!
في إيران ينتخب المواطنون الإيرانيون الرئيس وأعضاء البرلمان وأعضاء المجالس الأخرى لكنهم ينتخبون الأفراد الذين تنطبق عليهم الشروط التي يحددها «الولي الفقيه» والموافق عليهم، أي الموالين المرضي عنهم فقط، أما عدا أولئك فلا يحق لهم أساساً الترشح ولا يمكن أن تتوفر لهم أي فرصة للفوز حتى لو تمت الموافقة على ترشحهم لذر الرماد في العيون.
الأساس في الانتخابات الإيرانية هو اعتقاد المترشح بمبدأ «ولاية الفقيه» المطلقة والالتزام العملي بها، ونتائج الانتخابات تشترط تأييد المرشد الأعلى، والبرلمان الذي هو الركن الأساس لتشريع القوانين ينبغي أن يحصل ما يقره منها على موافقة مجلس صيانة الدستور، وفي النهاية يظل القرار في يد المرشد الأعلى الذي تؤول إليه الأمور كلها وبإمكانه أن «يمشيها» أو «يصك عليها».
في إيران يحدد المرشد الأعلى - الذي هو استناداً إلى نظرية ولاية الفقيه «ظل الله على الأرض» - من يحق له الترشح لخوض أي انتخابات، فهو الذي يضع الشروط أو على الأقل يوافق عليها، وهو الذي بإمكانه أن يوافق على فوز الفائزين، وهو الذي يوافق على القرارات التي يشرعها البرلمان. فأي فرق بين هذا وبين أي ديكتاتورية في العالم؟
الشكل دونما شك جميل ويوحي بأن إيران دولة ديمقراطية لكن الحقيقة تختلف والواقع ينفي هذا، ومن يتابع ما يجري في هذه الدولة المحكومة من فرد ومن توجه معين يتبين له أن الديمقراطية ما هي إلا لعبة يضحكون بها على عقل هذا الشعب الذي لا حول له ولا قوة، والذي يعرف أنه لو اعترض على هذه الديمقراطية الشكلية فإن مصيره المشانق التي تعلق في الشوارع بالرافعات، خصوصاً إن كان من «الأقاليم» التي ترفض حكم الملالي.