نعم، العروبة هي الحل لانقساماتنا وتفتتنا وخلافاتنا، العروبة المستنيرة، العروبة المنفتحة على الآخر، العروبة الحاضنة للأقليات.هذه هي عروبتنا التي يجب أن نفتخر بها، والتى يمكن أن تساعدنا على تجاوز خلافاتنا وفوارقنا.اليوم يرزح العالم العربي تحت انقسامات مذهبية وقبلية، والتي تقود إلى تأخره وتفتته وإلى تمزيق نسيجه الاجتماعي. ولا يمكن أن نحل تلك الخلافات ما لم نجد الأرضية المشتركة التي تجمعنا، وحين أنظر اليوم إلى عالمنا العربي المضرج بالدماء أتذكر تاريخ أوروبا الذي تحمّل قروناً من المنازعات بين ممالك تتطاحن بين بعضها وباقتتال بين كاثوليك وبروتستانت. وقد أدى التنافس في نهاية المطاف إلى حربين عالميتين دمرتا أوروبا تدميراً شاملاً، ولولا خطة «مارشال» الأمريكية لما استطاعت أوروبا حتى اليوم النهوض والتغلب على آثار الحروب. وقد أيقن الأوروبيون أن تلك المنازعات نتيجتها الحتمية هي الخسارة لكل الأطراف. ولذلك اليوم يسود أوروبا جو التعاون لأن هناك إدراكاً مشتركاً أن التعاون مفيد للجميع، وهو مؤدي إلى ازدهار الجميع. هل العالم العربي بحاجة لأن يدمر مثل أوروبا ليعي هذا الأمر. انظروا إلى ليبيا تنهشها القبلية، انظروا إلى العراق، العراق قلب العروبة! انظروا إليه كيف أضحى بالحضيض! انظروا إلى العراقيين وهم بين مطرقة تنظيم الدولة «داعش»، وسندان المليشيات الشيعية! انظروا إلى سوريا! انظروا إلى اليمن! وبينما أمتنا تتشرذم يستفيد الجيران والقوى الدولية من تلك المنازعات بدعم طرف ضد الآخر.نحن نواجه خطراً داهماً وهو خطر الجماعات الإرهابية التي تتستر بالدين والدين منها براء، وما نشأت تلك المجموعات الشاذة إلا بسبب غياب العروبة. وبينما الكثير من المشككين يدّعون أن العروبة فشلت في تحقيق طموحات الشعوب العربية بالوحدة وبتحرير فلسطين، إلا أنني أقول إن العروبة لم تفشل ولكن طرحنا لها في الماضي هو الذي فشل. العروبة التي طرحتها أنظمة استبدادية هي العروبة الإقصائية وتلك التي فشلت، العروبة التي يمكن أن تنقذنا هي العروبة المستنيرة، العروبة المبنية على احترام الحقوق المدنية، العروبة التي تعامل المواطنين سواسية، العروبة المنفتحة على الآخر وعلى الأقليات. العروبة التى نسعى إليها هي العروبة التي تؤمن بالتعددية الدينية، المذهبية، الوطنية والعرقية. والانتماء للعروبة لا ينفي الانتماء الوطني. فانتماء الفرد للعروبة وإيمانه بها لا يتعارض مع انتمائه إلى إماراته أو إلى لبنانه أو إلى مصره. بالعكس فالعروبة تعطي للهوية القطرية عمقاً تاريخياً وحضارياً. العروبة المستنيرة هي الإطار الجامع الذي يحتضننا جميعاً بتنوعنا وبتعددنا، هي صلة المودة والرحمة بيننا رغم اختلافاتنا، هي الواقي لنا من تدخلات الخبثاء الذين يبثون سم الطائفية في مجتمعاتنا، والتأكيد على انتمائنا العربي بمشروع واسع وشامل يبدأ من التربية البيتية وينتهي بدستور الدولة. نعم العروبة هي الحل! هي التي ستنقذنا من الغرق في متاهات الطائفية والقبلية، هي التي ستجعلنا نتجاوز الأحداث الماضية التي مازالت تطارد ذاكرتنا الجماعية مؤدية إلى التفرقة بيننا.العروبة هي التي ستجعلنا ننظر إلى تاريخنا المشترك، إلى جغرافيتنا المشتركة، إلى مصالحنا المشتركة، هي التي ستجعلنا نتطلع ونعمل معاً لغدٍ مشرق.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90