«مجلس النواب» أحد أعمدة المشروع الإصلاحي الذي راهن عليه جلالة الملك، وكلما كان لدينا مجلس قوي كان ذلك تعزيزاً وتقوية لمشروع جلالته، المشروع الذي دافعنا عنه وآزرناه.
فمجلس يراقب الحكومة ويستجوبها ويحقق معها ويسألها، يعني أنه مشروع إصلاحي له مصداقية، وسيؤكد على ذلك السفراء والزوار والإعلام الخارجي الذي يراقب ويقيم بين روايتين إحداهما أكدت أن المشروع الإصلاحي أعطى قوة للإرادة الشعبية، ورواية أخرى تقول إن تلك القوى زائفة.
وعلى هذا الأساس فمن يتعاطى بأي شكل مع المجلس، من ينتقده، من تتقاطع سلطاته مع سلطات المجلس بغرض إصلاحه، عليه أن يضع هذه الاعتبارات أمام ناظريه، عليه أن يضع في اعتباره هذه المعادلة، مجلس قوي = مصداقية للمشروع الإصلاحي، مجلس ضعيف = زيف للمشروع الإصلاحي.
تقوية المجلس على هذا الأساس أو إضعافه لم يعد ينظر لها على أنها مسألة محلية داخلية فقط، بل لها بعد دولي هام تنعكس آثاره على البحرين ومصداقيتها أمام المجتمع الدولي ومعها مصداقية جلالة الملك؛ فهذا مشروعه الذي تقدم به في بداية حكمه، وأي عبث في هذه المساحة عبث بتلك السمعة.
ثانياً تقوية المجلس لأنه الوسيلة الأمثل لتحقيق الإرادة الشعبية وهو البديل عن الشارع والفوضى، فمن خلاله تتحقق الإرادة الشعبية في التشريع وفي الرقابة على الحكومة، وكلما أضعفت المجلس كان خيار الشارع أقرب للناس، وهذا ما يجب تجنبه تماماً.
ثالثاً المجلس النيابي هو حصننا ضد التدخلات الأجنبية، فهو المعبر الشرعي عن الإرادة الوطنية ولا تستطيع أي جهة أجنبية حكومة كانت أو منظمة أن تقفز عليه وعلى إراداته إن أرادت التدخل في شؤوننا الداخلية، وقد كان لوجوده دور كبير في حمايتنا في2011.
اليوم نعيش مرحلة لم تعد فيها الأنظمة الحاكمة أو الجيوش تحمي الدولة من القوى العابرة للحدود، بقدر ما تحميها المجالس المنتخبة والمؤسسات المدنية، هذا متغير على من يعبث بهذه الغرف ويعيث بسمعتها فساداً أن يضعه في اعتباره.
وفي النهاية تقوية المجلس حافز لتقوية الحكومة ودفعها لتحسين أدائها، لأن أمامها سلطة رقابية قوية متمكنة، مجلس قوي = حكومة قوية والعكس صحيح.
حين تضع في اعتبارك أن «تقوية» المجلس هو هدفك وترميمه لا تحطيمه، ستعرف كيف توازن بين انتقادك بغرض ترميمه وبين تشويه سمعته بغرض تحطيمه، وهذا هو الفرق بين أصوات عديدة تنتقد وتراقب وتشير إلى مواضع الخلل على الأداء وتدفع ناحية تعزيز مواقع القوة وتحفيز مواقع الضعف وبين من يلبس ثوب النقد و يدخل كالثور الهائج يحطم كل ما يحيط به، فيهدم ما يراد ترميمه، وعلى رأي إخواننا المصريين «يخربها ويقعد على تلها». الغمز واللمز والطعن في الشرف والأمانة والمصداقية والتدخل في خصوصيات الأعضاء لم ولن يكون طريقاً أبداً لتحسين أدائهم، وبالتالي لن يكون طريقاً لتقوية المجلس كمؤسسة ديمقراطية، ولن يخدم المشروع الإصلاحي بل سيصيبه في مقتل، ولسنا بمعرض البحث في النوايا، إنما على من أراد انتقاد المجلس أن يركز على الأداء داخل المجلس فحسب ولا غير، وعدا ذلك يعد عبثاً في منطقة يجب عدم المساس بها، لا أخلاقياً ولا سياسياً ولا أمنياً.
والاعتقاد بأن هذا الأسلوب سيحمي الوزراء من النقد ويمنع استغلال النواب لسلطاتهم استغلالاً سيئاً هو خطأ آخر، فكشف كيدية الأدوات الرقابية لها ضوابط دستورية كافية وبإمكانها أن تقف حائلاً أمام أي محاولة لسوء استغلاها دونما حاجة للضرب تحت الحزام وبأساليب ملتوية.
والمعادلة في حماية الوزراء أيضاً بسيطة وواضحة، فكلما حصنت الوزراء من النقد ضعف أداؤهم، تلك معادلة على من يحطم المجلس النيابي بجهل أو بعلم أن يضعها في اعتباره، تقوية المجلس تقوية الحكومة. أكثر ما تتميز به البحرين هو أنها أكثر بلد فيها ناس «يعمونها بدل من أن يكحلونها»!! يعتقدون أنهم يحسنون صنعاً ويدعمون جلالة الملك ومشروعه الإصلاحي لكنهم يسيئون له أيما إساءة.