نتحدث دائماً ونستذكر بأن بدايات التعليم النظامي كانت في البحرين بدايات القرن الماضي، وهي مسألة سبقنا بها دول الخليج، بالتالي منطقياً حين نتحدث عن جودة التعليم، وتطور أنظمته، فإن العيون ستتجه بديهياً إلى البحرين باعتبارها تحتضن التجربة الأقدم.
نقول بديهياً، لكن التسليم بواقع الأمور أمر فيه مجازفة في الحكم، لأن المتغيرات كثيرة، والظروف الطارئة أكثر، والعوامل الخارجية «حدث ولا حرج»، ما يعني أن الجزم باستمرارك على نفس النمط أو في نفس الموقع أمر لا يؤخذ بالمسلمات.
عموماً، الملف التعليمي في البحرين شهد كثيراً من التطوير طوال عقود مضت، منذ بداية التعليم النظامي، ووصلنا اليوم إلى مرحلة فيها تنوع كبير في المؤسسات التعليمية، ما بين الرسمية التي تضع لها الدولة موازنات ضخمة، وبين الخاصة التي بعض منها الحديث عنه يأخذك في «شجون» طويلة.
لدينا في البحرين هيئة لضمان جودة التعليم، وهي إحدى الخطوات المميزة التي اتخذت في إطار مشروع جلالة الملك الإصلاحي، بما يجعلنا ندرك أن هناك من يتابع العملية التعليمية وتطورها وجودة أدائها، بما يضمن في النهاية سلامة الإجراءات ورقي المخرجات الموجهة للمواطن والمقيم.
وعليه فإن متابعة التصنيف السنوي للمدارس سواء الحكومية أو الخاصة، مسألة دأب عليها المواطنون منذ فترة، خاصة مع ارتفاع نسبة الوعي المجتمعي بأهمية التعليم، والإيمان بأنه اللبنة الأساسية في صناعة المستقبل لأبنائهم، بل والتحكم في نوعية هذا المستقبل.
اليوم الجميع يريد أفضل تعليم لأبنائه، هناك من يقصر على نفسه فقط حتى يوفر لأبنائه التعليم الأفضل، الرأي متباين بين الناس في ما يتعلق بالمفاضلة بين المدارس الحكومية المجانية وبين المدارس الخاصة التي تتفاوت أسعارها بين ما «يكسر ظهر» المواطن وبين ما هو مقدور عليه بالنسبة لميسوري الحال.
وطبعاً لأصحاب كل رأي احترامهم بشأن ما يرونه مناسباً لأبنائهم، مع التذكير دوماً بأن القيادة البحرينية دائماً حرصها منصب على تحسين العملية التعليمية وتحسين المدارس وربطها بالأهداف الأممية عبر اليونسكو وبتوفير كافة الوسائل المتطورة، إضافة لتطوير المناهج، بل وصلت بعض المدارس للتفوق على المدارس الخاصة في بيئاتها وفي وسائلها التعليمية وأنشطتها.
هذه مسألة إيجابية جداً، إذ مع الأخذ في الاعتبار أن الناس لديهم دائماً ملاحظات وانتقادات، لكن الحق يقال بأن العملية التعليمية في البحرين دخلت أطواراً عديدة من التقدم والتحضر، والاهتمام بها يتزايد من خلال الحرص المباشر من جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد، إضافة لوجود هيئة ضمان الجودة لـ»تضمن» بالفعل الجودة، والمتحصل ذلك من خلال البيانات التي تنشر دورياً والتي تعرض بوضوح للناس وتنشر في وسائل الإعلام.
كولي أمر، أحيي هذه الشفافية في الهيئة، والتي تخولني لمعرفة أداء المدارس، وتصنيفهم من ناحية الجودة، بالإضافة للوقوف على الرأي المختص من الهيئة في ما يتعلق بتزكية جودة هذه المدرسة من تلك.
طبعاً هنا لسنا نتحدث عن المدارس الحكومية فقط، بل الجميل وجود المتابعة والرقابة على المدارس الخاصة، وهي التي تحتاج بالفعل لإحاطة الناس علماً بها وبأدائها خاصة وأن التعليم فيها ليس مجانياً، والالتحاق بها ليس متاحاً بسهولة، وعليه من المهم أن يعرف الناس «جودة» مخرجات الجهة التي يستثمرون فيها أموالهم.
شخصياً تفاجأت بتقييم بعض المدارس الخاصة والذي نشر مؤخراً، الظن دائماً لدينا كان بأن هذه المدارس التي تفرض رسوماً لتدريس أبناء الناس يفترض بأنها تقدم أعلى معايير الجودة والأداء والمخرجات، وأنها تتفوق على المدارس الحكومية بمراحل متقدمة.
الظن والتصور شيء، لكن الواقع شيء آخر، والفضل لتقرير الهيئة، والذي ذكرني بتقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية «إن شاء الله ما نسيتوه؟!»، بحيث بتنا نعرف اليوم المدارس التي يذهب إليها أولادنا كيف هو أداؤها وكيف تصنيفها.
أكتب ذلك، وأنا أدعو وزارة التربية والتعليم ممثلة بإدارة التعليم الخاص لتشديد إجراءاتها بشأن ضبط أداء هذه المدارس، وعدم تسهيل عمليات «رفع الرسوم» التي تتم بصورة دورية نزولاً عند طلب بعض المدارس. أعرف تماماً أن عملية رفع الرسوم تخضع لمعايير عديدة، لكن ما أشير إليه هو ضرورة ربط هذه العملية بتقارير الجودة، بحيث لا يمكن لأي مدرسة خاصة لا تصل لمستوى تقدير الامتياز أن تطالب برفع الرسوم، إذ لا يعقل أن ترفع على الناس الرسوم وأنت لا تقدم لهم أداء متفوقاً متميزاً ولا تحظى بالتقدير الكامل من الجهة التي تقيمك.
بيت القصيد، لديكم أداة قياس وتقويم مفيدة، بإمكانها ضبط المغالاة في الرسوم، في نفس الوقت بإمكانها الإسهام في تطوير جودة التعليم ومخرجاته.