يستقبل بريدي الإلكتروني بين الحين والحين -كما الآخرين من كتاب المقالات الذين اختاروا أن يكونوا خط الدفاع الأول عن هذا الوطن- رسائل يسهل وصفها بالمتجاوزة للعادات والتقاليد والأخلاق ولكل شيء، مرسلة من أسماء هي في الغالب وهمية، لا تفسير لمحتواها سوى أن أصحابها يبحثون عن طريقة ليفرغوا عبرها شحنة الغضب التي بداخلهم والتي تعبر عن ضعفهم وارتباكهم وقلة فهمهم لما يدور، لهذا فإن تلك الرسائل لا تخلو أبداً من شتائم وألفاظ بذيئة وإساءات لأشخاص آخرين أيضاً يتخذ منهم مرسلوها موقفاً سالباً بسبب مواقفهم التي لم تعجبهم والتي يعتبرونها غير مناسبة طالما أنها تختلف عن مواقفهم.
إحدى تلك الرسائل التي وصلتني أخيراً تكونت من عبارتين، الثانية منهما كانت مليئة بالشتائم لي ولآخرين من كتاب المقالات في عدد من الصحف المحلية تم ذكرهم بالاسم وكلهم ينتمون إلى المذهب الجعفري، وليس من اللائق نشرها، أما الأولى فتعنيني شخصياً أنقلها هنا بالحرف، حيث كتب مرسلها الذي اختبأ وراء اسم أنثوي «المتتبع لكتاباتك لا يلحظ أنك شيعي من عائلة شيعية بحرينية لأن مستوى الهبوط والدياثة الإعلامية في القاع»، ولأن الترفع عن الرد على الجزء الثاني من العبارة موقف ملخصه عدم النزول إلى مستوى مرسل الرسالة ومن يقف خلفه لذا فإن ما ينبغي الرد عليه فقط أو بالأحرى توضيحه هو الجزء الأول من العبارة والذي يفترض مرسلها أن انتماء الكاتب للمذهب الجعفري يفرض عليه الانحياز لذلك البعض الذي تسبب في خراب البلد ووفر الفرصة للأجنبي ليطل برأسه ويتدخل في شؤوننا.
ما ينبغي أن يعلمه مرسلو مثل هذه الرسائل هو أن الوطن يأتي أولاً، فالضرر إن وقع يقع على الوطن كله وليس على جزء منه أو المنتمين إلى مذهب معين أو المؤمنين بهذا الفكر أو ذاك. هذا يعني أن المذهب يأتي لاحقاً بل لا علاقة له بالأمر من الأساس، فكوني أنتمي إلى هذا المذهب أو إلى هذه العائلة المنتمية إلى هذا المذهب لا يعني أنه ينبغي أن أنحاز إلى غير الوطن، وكون المخربين ينتمون إلى مذهب بعينه لا يعني أن أقف مع الكتاب الآخرين من المنتمين إلى نفس المذهب إلى جانبهم أو السكوت عنهم، فهؤلاء مخربون ومعتدون على الوطن وعلى حق جميع أبناء الوطن في العيش بأمان واطمئنان.
الصحيح هو عدم معاداة الوطن، والصحيح أيضاً هو عدم معاداة المذهب، والأكيد هو أنه لا تناقض بين الدفاع عن الوطن وعدم معاداة المذهب، فالمذهب الجعفري ليس ضد الوطن، والمنتمون إليه -باستثناء أولئك المتأثرة عقولهم بالشعارات الفارغة- ليسوا ضد الوطن، والوقوف إلى جانب الوطن لا يعني الوقوف ضد المذهب، تماماً مثلما أن الانتماء إلى هذا المذهب لا يعني الوقوف ضد الوطن.
ما ينبغي التأكيد عليه هو أن ذلك البعض الذي لا يدرك ما يقوم به لا يمثل المذهب الجعفري وإن ادعى ذلك، وكون الذين يختطفون الشوارع ويعطلون حياة الناس بإشعال النيران في إطارات السيارات ينتمون إلى هذا المذهب لا يعني أبداً أن المذهب الجعفري ضد السلطة حتى مع وقوف بعض المعممين إلى جانبهم وتحريضهم على القيام بهذا العمل المتخلف أو سكوتهم عنهم، وكأن الأمر لا يعنيهم. لا علاقة أبداً للمذهب بما يحدث من تجاوزات، التجاوزات يقوم بها أفراد قليلون ضلوا الطريق وارتموا في أحضان الخارج، وفي المقابل لا علاقة للانتماء المذهبي بالموقف الوطني، وكوني شيعياً وأنتمي إلى عائلة شيعية لا يعني أن أقف مع أولئك الذين يسعون في خراب الوطن وأذى الناس. والأمر نفسه فيما يتعلق بالكتاب الآخرين.