رأيت الموت..
كنت ألعب مع أخي.. فجأة دوى صوت انفجار.. بحثت عن أخي بين الحطام.. رأيت قميصه من بعيد.. وعندما رفعت جسده.. كان بلا رأس..
ورحت في إغماءة طويلة.. الموت والأشلاء الحبيبة تحاصرني..
أنا جائع يا أمي.. تعودت أن أشرب دموع أمي وأنام على بقايا الخبز اليابس الذي تخبئه أمي..
كنت لا أفقه أو أفهم شيئاً مما يحدث.. ولماذا يحدث.. ولكنني صرت أرى الموت كل يوم.. كم يوماً مضى ونحن نستجدي الحياة أن تولد من رحم الموت الإجباري..
كنت طفلاً بلا سقف..
وبلا إحساس بالأمان..
كانت تلك الخيمة هي بيتي.. أنام في مساحة ضيقة محشوراً بين أخوتي وعائلتي أو ما تبقى من عائلتي.. ليس لدي أبسط حقوقي كروح غضة تبحث عن الحياة..
تعودت أن أتحمل كل شيء وأي شيء..
أقضي أغلب الوقت خارج الخيمة لأنه لا مكان لي بين أخوتي وأقاربي الذين حشروا معنا في خيمة ضيقة..
ماذا أفرق عن أي طفل سوري آخر هرب من الموت إلى التشرد والخوف وعدم الأمان؟! إنني أملك نفس العينين التائهتين والجسد الجريح والمصير المجهول..
كتاب واحد استطعت أن أهرب به وسط الدمار والدخان والأشلاء.. كتاب في العلوم كنت أقرأه بين فترة وأخرى وأتذكر به حلمي القديم لأن أصبح دكتوراً أعالج كل أطفال بلادي..
هل يمكن لطفل جائع أن يحلم؟ هل يمكن لطفل خائف أن يزوره الحلم؟ أعرف اليوم أن عودتي للتعليم أصبحت حلماً صعباً وأنا غير قادر على الحصول على أبسط فرص الحياة الطبيعية لأي طفل..
حتى خيمتي طردت منها.. لابد أن هناك أرضاً جديدة نستطيع ممارسة الحياة بها.. لابد أن هناك سماء مازالت حبلى بالمطر.. سنعيش من جديد.. وبأي طريقة.. وسنحلم مع سبق الإصرار والترصد!
لم يبقَ ما نخاف منه أو عليه..
ماذا سيحدث أكثر مما حدث؟ البحر أمامنا والموت وراءنا.. هل سنغرق؟ هل سنموت؟ هل سنسجن؟
طفل جديد يغرق في رحلة من أجل الحياة..
إن الحياة ثمن صرنا ندفعه للأمل الكبير الذي مازلنا نعيش به..
لذلك نحن مختلفون.. ليس فقط لأننا بلا وطن ولكن لأننا مازلنا قادرين على الإيمان برحمة الله والأمل رغم كل الموت الذي عشناه.. فهل يولد الأمل من رحم الألم؟
* «هذه الزاوية تسرد صفحة إنسانية من مذكرات أشخاص صنفهم المجتمع على أنهم «مختلفون»، فاختاروا أن يجعلوا من اختلافهم فعل إرادة..».