يشير الدكتور عبدالله النجار عميد كلية الدراسات العليا السابق بجامعة الأزهر إلى العوامل الموضوعية التي يجب أخذها في الاعتبار عند تفكيك هذا الفكر المتشدد ومنها ضرورة إعادة النظر في الاستخدام اللغوي في النصوص القديمة «غير القرآن الكريم وكتب الصحاح من السنة»، ومراجعة التعبيرات التي يمكن ملاءمتها مع دلالات العصر وثقافته وبما لا يسيء لمقاصد الدين أو يغير من دلالات النص، ويضرب مثالًا لذلك في تعبير «ضرب القفا» الوارد في حديث عمر مع اليهودي الذي رآه يسأل الناس بسبب الحاجة والسن والجزية، فأكرمه عمر وأحسن إليه ورفع الجزية عن أمثاله، فرغم أن سياق النص مدلوله الرحمة والعلاقة الإيجابية مع غير المسلمين داخل الدولة إلا أن ورود لفظة «ضربه على قفاه» قد تلقفها المغرضون واعتبروها احتقاراً لليهودي، مع أنها كانت من صور الملاطفة المقبولة في زمان وقوع النص، ويقترح الدكتور النجار إمكانية استبدال هذه العبارة بعبارة أخرى مثل «فلاطفه عمر» أو «ربت على كتفه» حتى لا يحمل النص على الإهانة من قبل المتشددين وجهلاء اللغة والفقه!والحقيقة أن كثيراً من أمثلة هذا النص لايزال موجوداً في تراثنا، وغالباً ما يساء تأويلها بعيداً عن مقاصد الشرع وجوهر الدين!كما يتطلب الأمر إعادة النظر والمراجعة في قضايا تسيء للمسلمين وعلاقاتهم الطيبة مع غيرهم في هذا العصر حيث ينبغي أن يتعايشوا في عالم اليوم بسلام وأمان مع الأمم الأخرى كي يحققوا قدراً من المشاركة في حضارة العصر ونهضته، ومن ذلك مثلاً: العلاقة بين المسلمين وغيرهم، والتأكيد على مبدأ احترام الأديان الأخرى، وحق الشعوب الأخرى في اختيار أديانهم وثقافاتهم من دون نظرة استعلائية تثير العدوان ضد المسلمين.ويؤيد ذلك نصوص القرآن الكريم، يقول تعالى في سورة الكهف: «فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر»، وقال تعالى في سورة يونس: «لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي»، وقال تعالى في سورة الغاشية: «فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر»، وقال تعالى في سورة الحجرات: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم».فأساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم هي التعاون والتراحم، وليس العداء وإعلان الحروب، خاصة وأن حال المسلمين الآن هو حال يثير الشفقة من الضعف والتمزق والتأخر عن ركب العلم والمدنية، فما مغزى أن يبدل المتشددون علاقة التعاون مع غير المسلمين في أرجاء الدنيا إلى علاقة الحرب والكراهية متكئين في ذلك على آيات القتال والجهاد، وكأنهم يستجلبون الصراع مع الآخر، ويصنعون الأعداء في كل مكان من دون مبرر عقلي أو سند ديني! وقد كان الأولى بهؤلاء إذا صلحوا أن يشيدوا جسوراً قوية من التعارف والتفاهم والتواصل الإنساني الذي أمر به القرآن الكريم، وكان من ثمراته الخير والنهضة للمسلمين القدامى عبر العصور! فالمعلوم لدى الفقهاء أن فرضية القتال في الإسلام جاءت لرد الاعتداء على من اعتدى وبغى، وليس بسبب الكفر، فقال تعالى في سورة البقره: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين»، وقال تعالى في سورة البقره: «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم»، صدق الله العظيم، «يتبع».