جميل جداً أن تكون شخصاً مثالياً، لكن الوصول إلى «المثالية» عملية صعبة جداً، لا تتحقق إلا للقليلين من البشر.
سهل جداً أن أتحدث بشعارات، لكن عملية تحويلها لتطبيقات هي التي تمثل التحدي الأصعب.
مثال ذلك الشعارات التي أطلقها كثير من المترشحين للانتخابات، هل نجح الواصلون للكراسي في تحقيقها؟!
إجابة السؤال هي التي تحدد ما إذا كانت مجرد شعارات تطلق، أم هي واقع يسعى لتحقيقه بجد واجتهاد؟
كذلك ما ينطبق على الأخلاقيات والممارسات، فآفة العصر اليوم هي ابتلاؤنا بمن يبيعنا الكلام، وممن ينظرون علينا، بل ويحاولون نصحك في شتى شؤون الحياة، لكن حين ترى واقعهم هم ترى العجب العجاب، ترى التناقضات الصارخة بين القول والفعل.
كم رجل دين ينصح الناس ويطالبهم بالتمثل بالأخلاق الحميدة، وهو في ممارساته وأفعاله لا ترتقي تصرفاته للفعل الحميد.
كم رجل سياسة يطالع الناس بشعارات جميلة، ويقسم أمام الكاميرات، ويتحدث لوسائل الإعلام ويرسل جهازه الإعلامي البيانات المتوالية التي تقول بأن فلاناً يعمل بإخلاص لأجل الوطن وللناس، لكن في الحقيقة وبناء على الممارسات والأفعال يتضح بأنه لا يعمل إلا لنفسه، ولا يهمه لا الوطن ولا الناس.
وكم من محاضر أو مدرس مهمته نقل المعلومات والخبرة لمتلقي العلم، يحاضرهم في طيب الأمور، وهو في المقابل خبيث الأفعال.
الأمثلة عديدة، والتناقضات موجودة، وادعاء المثاليات «هوس» لدى البعض، يظن بأن الادعاء فقط هو ما يكفيه حقيقة العمل باتجاه الوصول للكمال وتحقيق المثالية.
الإنسان المثالي هو من لديه قيم وثوابت لا يحيد عنها، هو من يمتلك الأخلاقيات المهنية والإنسانية التي لا يقبل لها بأن تتأثر بأية ظروف وضغوطات.
رسولنا الكريم صلوات الله عليه عرف بوصف «الصادق» لأنه لم يكذب قط، حينما يتحدث يصدقه المسلم والكافر، وقد سمي بـ«الأمين» لأنه يحفظ أمانات الناس، وتكون في معيته مصانة، حتى كفار قريش كانوا حينما يريدون ترك أمانة ما يذهبون لتركها لدى الرسول رغم أنهم يحاربونه في عقيدته.
يصل الإنسان لمرحلة متقدمة من التصالح مع النفس، والعيش براحة ورضا، حينما يمتلك قيماً ومبادئ لا يحيد عنها، حينما يحاول التمثل بالمثالية في كل شيء، وهي التي تحركه وتحكم تصرفاته وأخلاقياته وعمله.
حتى في الجانب المهني، كثيراً ما كتبنا عن ضرورة العمل بسعي للمثالية، إذ إن هي تحققت فإن العمل بالتأكيد سيرتقي لمستوى مرض ويحقق رضا الناس، بل وقد يدفعهم للتفاعل معه إيجابياً.
أنت كشخص يمكنك أن تبدأ التخطيط بسهولة للتحول إلى شخصية مثالية، هي عملية ليست بالسهلة، لكنها ليست مستحيلة، تبدأ أولاً عبر التمسك بمبادئ ديننا الحنيف، والتي تتضمن كل فعل راق وأخلاق سامية وخوف من الله وخشية من المعاصي، الإنسان القريب من ربه المحافظ على واجباته الدينية المتمثل بأخلاق رسولنا الكريم، إنسان يقطع شوطاً كبيراً في اتجاه المثالية، فالدين مهذب للأخلاق وصاقل للشخصية السوية الطيبة، ومحفز للعمل الطيب وخدمة الآخرين.
لنحرص ألا نكذب، ألا نغتاب، ألا نشوه سمعة الآخرين، ألا نسرق، ألا نستغل المنصب، ألا نخون الثقة، ونبدل كل ذلك بما يخالفها من أفعال طيبة لها أثر إيجابي.
إصلاح المجتمعات لا يحصل بين ليلة وضحاها، الوطن منظومة كبيرة تضم منظومات متشعبة، وحتى تنصلح لابد من قيادات صالحة مسؤولة وعلى قدر الثقة، وطالما توافرت لنا مثل هذه القيادات التي تحرص على المثالية في عملها، فإن المنظومات تنصلح، بل تصبح أمثلة يشار لها بالبنان، وبناء على ذلك تكون الدولة قائمة على أعمدة قوية راسخة، شعارها المثالية، محركها الإصلاح، ووقودها الإخلاص في العمل.
المهم ألا نسمح بأن تكون المثالية رهينة للأقوال فقط، بل أن تكون واقعاً يمكن أن يحس ويقاس عبر الأفعال الصحيحة الطيبة، ذات الأثر الإيجابي على المجتمع.