قد نتساءل، ما هو موقف أمريكا من المنطقة؟ هل هي حليفة دول الخليج أم هي حليفة إيران؟ هل هي مع بقاء بشار الأسد في السلطة أو مع رحيله؟ هل هي مع «حزب الله» اللبناني أم ضده؟
من جهة، يعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن الأموال المفرج عنها لإيران بعض منها سيذهب للميليشيات والمجموعات الإرهابية التي تدعمها وليس باليد حيلة في هذا الصدد، ومن جهة أخرى، تضع أمريكا قيوداً على البنوك اللبنانية لتمنع تعاملها مع «حزب الله»!
من جانب، ترفع أمريكا العقوبات عن إيران، وفي اليوم التالي تضع عقوبات جديدة! من ناحية، يدعو الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسد للرحيل، ويقول إن أمريكا تساند الشعب السوري في سعيه للحرية، ومن ناحية أخرى، يصرح خلال مقابلة له مع توماس فريدمان أن سوريا شأن عربي وعلى العرب أن يسووا أمورهم بأنفسهم!
ما هذا التناقض؟ مواقف أمريكا تظهر ازدواجية، تدفع الشاهد على الأحداث للشعور بها، حيث تسعى أمريكا دوماً للتكيف مع المستجدات على الساحة، وما تغيير مواقفها إلا نتيجة لاستسلامها لفشل كل محاولاتها أخذ دور فعال، والإمساك بزمام الأمور في المنطقة، وربما يذهب البعض إلى أنها تأخذ تلك المواقف عن قصد لتساهم في نشر الفوضى وتفتيت المنطقة كما يعتقد البعض.
هنا يجب النظر إلى أمريكا من الداخل وإلى صنع القرار في أمريكا وإلى العوامل التي تؤثر عليه. أولاً صنع القرار متأثر بالعوامل الداخلية، أكثر مما هو متأثر بالمعطيات الاستراتيجية، فما من عضو بالكونغرس سيصوت على قرار غير مقبول من ناخبيه، فمثلاً بالنسبة لقرار ضرب الأسد بعدما اجتاز الخطوط الحمر التي وضعها أوباما، لم يلاقِ القرار قبولاً من أعضاء الكونغرس لأن الأمريكيين لم يتحمسوا لتوجيه ضربة للأسد، وبينما يستغرب المراقبون للأحداث تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، تأخذ روسيا مواقف أكثر جرأة وهجومية، وهنا يجب النظر إلى المزاج العام في أمريكا.
الشعب الأمريكي يمر بمرحلة من العزلة، ففشل أمريكا بالعراق، وظهور تنظيم الدولة «داعش»، وغيرها، جعل المواطن الأمريكي متشائماً بالنسبة لأي تدخل في المنطقة. لذلك تسعى أمريكا للتقليل قدر الإمكان من تدخلها في الشرق الأوسط. وهذه الانعزالية تؤدي إلى تذبذب مواقف أمريكا حيال المنطقة، فمن جهة هي لا يمكن أن توافق على بقاء الأسد في السلطة، وفي المقابل، لا تريد أن تستثمر الأمر سياسياً أو عسكرياً حتى تسقطه. وبالمقابل من الصعب اليوم إقناع المواطن الأمريكي أن مصلحة أمريكا الوطنية تقتضي تدخلها لكسر هذه العزلة. فمفهوم المصلحة الوطنية اليوم غير واضح في ذهن المواطن الأمريكي. أيام الحرب الباردة كان مفهوم المصلحة العامة مفهوماً واضحاً ويقضي بتحجيم نفوذ السوفيت لأن الشيوعية كانت تمثل خطراً داهماً على أمريكا ومبادئها، وآنذاك كانت المصلحة الوطنية تقتضي التدخل حول العالم لوقف نفوذ السوفيت. ولكن مع زوال الشيوعية زالت وضوح فكرة المصلحة القومية التي يمكن أن تبرر للشعب الأمريكي فكرة التدخل الخارجي. من هو العدو الذي يهدد أمريكا بنظر المواطن الأمريكي؟ الإرهاب، و»داعش»؟ ومن وراء «داعش»؟ كل هذه مفاهيم غير محددة، محاربة الإرهاب أو محاربة تنظيم إرهابي ليست بالوضوح نفسه الذي يمثله تحجيم نفوذ السوفيت من خلال دعم مناهضيهم، لذلك داخلياً ليس من السهل إقناع الرأي العام بصوابية التدخل، ولا يمكننا أن ننتظر من أمريكا التدخل إن كان هذا أمراً لا يستسيغه المواطن العادي. وكما قال تيب أونيل الذي كان رئيس مجلس النواب في الكونغرس في الفترة من 1977 إلى 1998، «كل السياسة محلية»!