ثلاث ممارسات تؤكد أن «المعارضة» وصلت إلى مرحلة الوهن التي تسبق رفع الراية البيضاء، الأولى هي إصدار البيانات بشكل متتال بمناسبة ومن غير مناسبة وتكرار محتواها، والثانية كتابة الأسماء والدعوات السالبة والشتائم على الأرض في الطرقات كي يسير الناس والسيارات عليها واعتبار ذلك شكلاً من أشكال النضال بل البطولة، والثالثة كثرة الانتقادات و»التحلطم» بدل العمل الذي يمكن أن يفضي إلى ما يفيد الناس الذين رفعت شعارات الدفاع عنهم وعن حقوقهم، وهذا أمر يلاحظه الجميع فيدرك أن أي شيء آخر لم يعد لهذه «المعارضة» على اختلافها أن تفعله سوى الصراخ عبر الفضائيات «السوسة» واجترار الكلام نفسه يومياً. ولأن هذه الممارسات تعتبر في كل الأحوال ممارسات مراهقين لذا فإنه حتى كلمة «معارضة» صار صعباً إطلاقها على ممارسي هذه الأعمال، فالمعارضة في العمل السياسي أمر يختلف تماماً عن كل هذا.
في إحدى السنوات استعانت إحدى الدول العربية بخبير في المسرح وكانت مهمته العمل على الارتقاء بالمسرحيين فيها، لكن عندما شاهد الجمهور بعد شهور نتاج عمل ذلك الخبير أدرك أن من جيء به ليرتقي بهم تمكنوا من إنزاله إلى مستواهم. الأمر نفسه حدث مع «المعارضة» المتمثلة في الجمعيات السياسية التي كان يفترض أن ترتقي بمن أتى لينضوي تحت لوائها، فبدلاً من أن تعلمه أصول العمل المعارض وكيف يمكنه خدمة من رفع شعارات الانتصار لهم بغية نيلهم حقوقهم صارت منقادة له وتشاركه «التخبط» ولم تعد من ثم قيمة للمعارضة السياسية التي ينبغي أن يكون لها دور فاعل في هذه الأزمة بشكل خاص.
الدخلاء على «المعارضة» هم السبب في إضعاف دور «المعارضة» المتمثلة في الجمعيات السياسية وفقدانها كل قدرة على العطاء والإسهام في العمل السياسي، واقترابها من النهاية، وعدم تمكن الجمعيات السياسية من ضبط الدخلاء عليها أفقدها مكانتها حتى لم يعد بإمكان الحكومة والجمهور الثقة فيها، ترى كيف يمكن الثقة في «معارضة» سلمت «الخيط والمخيط» لمن لا خبرة له في العمل السياسي ويعتقد أنه يمكن أن يحقق المكاسب للناس بالصراخ وبتلك الممارسات التي لا تقبل حتى من المراهقين؟
هذا الأمر تحديداً هو الذي أوصل الجمعيات السياسية إلى الحال التي هي فيها اليوم، واستمرارها هكذا من دون أن تتخذ موقفاً حازماً وتضع حداً لكل ذلك من شأنه أن يعجل بنهايتها فيضيع كل ما سعت إليه وكل ما وعدت به الناس وتضيع مكانتها، فيشعر الناس أنهم كانوا ضحية تفكير ضيق لم يتمكن أصحابه من قراءة المشهد قراءة صحيحة. أولئك الذين خسروا أبناءهم، وأولئك الذين صدرت بحق أبنائهم الأحكام بالسجن أو وجدوهم يعيشون خارج البلاد برغبتهم أو بعقوبة لن يسكتوا عن كل هذا الذي حصل لهم، ومن الطبيعي أنهم سيحاسبون «المعارضة»، لذا فإن الأفضل من كل تلك الممارسات التي لا تفضي إلى مفيد وتقلل من شأن الجمعيات السياسية و»المعارضة» هو حسم هذا الأمر ووضع حد للمستفيدين من هذا المسمى «المعارضة» والمسيئين لها بقصد ومن دون قصد.
الاستمرار في تلك الممارسات نهايته رفع «المعارضة» الراية البيضاء، وانتهاء دور الجمعيات السياسية والاضطرار لتحمل كل الأخطاء، وكذلك نزع الجمهور ثقته من كل من يقدم نفسه على أنه «معارضة»، وبالتأكيد سيسعى إلى محاسبة كل من كان السبب في تضرره وتضرر الأبناء والمستقبل.
كتابة الأسماء على الطرقات ونقش الشعارات على الجدران وإصدار البيانات بشكل يومي ونثر الكلام عبر الفضائيات السوسة و»التحلطم»، كل هذه الأمور لا تفضي إلى مفيد وتقلل من شأن «المعارضة» والجمعيات السياسية التي يفترض أن تعمل على الارتقاء بمن جاء لينضوي تحت رايتها لا العكس.