أصبحت الثقافة القانونية ضرورة ملحة للمجتمع، ولم تعد ترفاً فكرياً أو اعتبارها معلومات مكملة على أرض الواقع، وإذا كانت مهمة وضرورية للمواطن العادي فكيف إذاً لا تكون في غاية الأهمية للسادة النواب؟ إذا كانت الثقافة المتعلقة بحفظ التشريعات والقوانين وروحها من أهم ركائز وعي المجتمعات وأفرادها العاديين في عصرنا الراهن، فكيف لا تكون من بديهيات العمل النيابي؟
إن من أكبر الأخطاء والمشاكل التي يمكن أن تصادفنا في حياتنا اليومية هو عدم قدرتنا استيعاب القوانين وعدم فهمنا للنصوص الدستورية، ولذلك نجد الكثير من المواطنين يعتبرون التشريعات بأنها مجموعة من الألغاز والطلاسم، بينما يراها الكثيرون أيضاً أنها لا تعني لهم أي شيء، ولهذا تكون تفسيرات الشارع للكثير من القضايا الداخلية عبارة عن اجتهادات وتحليلات سطحية، وعليه يمكن لمن يستوعب القوانين أن يمرر الكثير من المخالفات التشريعية والدستورية للمجتمع دون علمهم بذلك، ولعل من ضمنهم الكثير من الإخوة النواب الذين لا يعرفون كيف يقرؤون أو يتعاملون مع النص القانوني.
في ظل ارتفاع الأسعار في البحرين، وفي ظل هبوط سعر برميل النفط لمستويات متدنية وفهمنا الكبير لما تمر به الدولة من ظروف اقتصادية قاهرة لا يبرر لأية جهة حكومية أن تقوم برفع الرسوم من دون الرجوع للجهة التشريعية المخولة بهذا الأمر حسب الدستور البحريني، فهذا الأمر يعدّ خرقاً واضحاً للدستور، ومعارضاً لعمل المجلس النيابي، ومع كل ذلك، قامت بعض الجهات الرسمية برفع رسوم بعض خدماتها بنسبة 100%، من دون وجود سند قانوني لهذه العملية، متجاوزة بذلك حدودها وصلاحياتها.
لنكن أكثر وضوحاً في هذا الشأن، فنؤكد بأن المادة 107 من الدستور تنص على أن «إنشاء الضرائب العامة وتعديلها وإلغاءها لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها كلها أو بعضها إلا في الأحوال المبينة بالقانون. ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم والتكاليف إلا في حدود القانون»، كما تنص الفقرة «ب» من المادة نفسها بأن القانون هو الذي «يبين الأحكام الخاصة بتحصيل الضرائب والرسوم وغيرها من الأموال العامة، وبإجراءات صرفها».
وعليه لا يجوز لكل الجهات الحكومية من فرض رسوم إضافية أو زيادتها من دون استخدام الآلية الدستورية والقانونية والتشريعية الخاصة بهذا الفعل، لأن ذلك يعتبر انتهاكاً صريحاً للدستور البحريني وتعدياً صارخاً على مهام المجلس التشريعي الذي ربما الكثير من أعضائه الكرام لا يعرفون مهامهم القانونية حتى هذه اللحظة، ومن هنا نلفت عنايتهم وعناية غالبية المواطنين إلى ضرورة اللجوء إلى الأدوات الدستورية في إسقاط كل عملية تتجاوز الدستور، حتى لا تكون عمليات فرض الضرائب المقنعة في هذه المرحلة «موضة» عند بعض المؤسسات التي تتجاوز أوضح مواد الدستور البحريني تحت ذرائع واهية.