حينما تكون الجهة التي تطالب الدول والناس بالعدالة والمصداقية والشفافية، هي أبعد ما تكون عن العدالة والمصداقية والشفافية، فإننا نكون أمام حالة صريحة من «الانهيار الأخلاقي»، فما بالكم إن كانت هذه الجهة تمثل كياناً دولياً، حين تقرأ في نظامها الأساسي ومنظومة قيمها تجد أن أبرز التزاماتها تنص على التمثل بالدقة والحياد والمصداقية.
للأسف هذا هو انطباعنا عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بل بات انطباعاً منتشراً عن بعض المنظمات والكيانات الدولية والتي بعضها ينضوي تحت مظلة الأمم المتحدة، والتي بان واضحاً فيها أمور تحدد في النقاط التالية:
* محاربة أي شيء له صبغة رسمية، أي باختصار محاربة الدول والأنظمة السياسية، كأساس في العمل.
* هناك دول يتم استهدافها بشكل صريح، بالأخص دول الخليج، التي يتضح بأن أنظمتها الحاكمة لا تأتي على مزاج من يعملون في هذه المنظمات، خاصة «خصوصية» و»طبيعة» المجتمعات العربية.
* هناك دول «تنخرس» أمامها ألسنة هذه المنظمات، بل الأمم المتحدة نفسها. قبل فترة كان الاستهداف لبعض الدول ومن ضمنها البحرين تحت ذريعة التأخر عن تسديد الاشتراكات المالية، في حين الولايات المتحدة وصلت في تمنعها بدفع الرسوم لمستوى إذلال المنظمة الدولية ودفعاً للتسول.
* هذه المنظمات واضح بأنها بحكم من يعمل فيها وتوجهاتهم، تندفع اندفاعاً مباشراً وسريعاً لتبني صوت من يصفون أنفسهم بمعارضة، بغض النظر عمن يكونون، دون تدقيق أو اختبار للشواهد، أو حتى التحقق من صحة الأمور والادعاءات. لذلك نحن نستغرب أن تصل مثل هذه المنظمات الدولية لهذا «الدرك الأسفل» من انعدام الحيادية والإنصاف. نعم إنها منظمات دولية لها تاريخ واسم وسمعة، لكن لا يعني أن ممارساتها مازالت مستمرة بنفس المعايير والأخلاقيات التي كانت تعمل بها منذ تأسيسها قبل عقود، إذ البشر لهم دور في «انحراف» عمل هذه المؤسسات، وتحولها من ذات مصداقية وعدالة إلى دكاكين تبيع بضائع لزبائن معينين. لا يكفي أنها ذات اسم أو تحت مظلة الأمم المتحدة، هذه نظرة عامة سطحية، فحتى المساجد «والكنائس بالنسبة للمسيحيين»، بيوت لله، لكنها تشهد حالات من التصرفات التي تغضب الرب ويهتز لها عرشه، أتنكرون ذلك؟!
منظمة يتحدث فيها عميل إيراني مثل عبدالحميد دشتي وبخطاب عنصري فئوي مذهبي صريح، وتتقبل كلامه وتتيح له الحديث، هل يمكن أن نحترم أي شيء يصدر عنها؟! منظمة يتحدث فيها أصحاب سوابق ومجرمون يطلبهم الإنتربول الدولي، وفارين وهاربين بطرق غير شرعية، وأشخاص صادرة فيهم أحكام وفق قوانين الدول، هل نعتبرها منظمة دولية أم كيان قبل على نفسه بالتحول لـ «هايد بارك» يتحدث فيها أياً كان، وعن أي شيء يريد!
خطوات البحرين واضحة في حقوق الإنسان، جلالة الملك «بيض» السجون عندما تولى الحكم، ولا حاكم فعلها، وعدد مرات العفو التي أصدرها بحق محكومين في جرائم متباينة أخطرها التآمر على الدولة والتخطيط للانقلاب على نظامها الشرعي، عدد مرات العفو الصادر من حاكم لأي بلد نتحدى المفوضية وأي دكان لحقوق الإنسان أن يثبت وجود حاكم ودولة أصدرت إعفاءات بهذا العدد. من دعا لمحكمة حقوق الإنسان العربية؟! هو الملك حمد. من قام بخطوة غير مسبوقة بدعوة لجنة دولية مستقلة لتقصي الحقائق للتحقيق في أحداث 2011، رغم أن بلاده تعرضت لانقلاب مدعوم من الخارج؟! هو الملك حمد. ولو حصل مثلما حصل لدينا في الولايات المتحدة نفسها لرأينا كيف تستخدم أجهزة الأمن الداخلية كل قوتها لردع المنقلبين، وشحن غوانتنامو بالمعتقلين.
كلام غير عادل ولا منصف يصدر من المفوضية، رغم أن البحرين من أكثر الدول المتعاونة معها من خلال قبول الزيارات والوصول لمحاضر التحقيق والأحكام، بل عبر التعاون القوي المستمر من قبل الأمانة العامة للتظلمات وكيانات حقوق الإنسان الرسمية في البلد، رغم استمرار عدم الحيادية وإغفال الحقائق.
ملاحظة هامة هنا تتمثل بأن البحرين من حقها عدم التعاون مع أي منظمة لا تتعامل معنا بنظافة وصدق وشفافية، والتاريخ يشهد على عدد «مغلوطيات» المفوضية بحقنا رغم وجود الأدلة والفيديوهات وكل شيء، لكن موفديها يأخذون بكلام مرسل على عواهنه، ولذلك تجد مثل هذه المنظمات تحرج نفسها حينما يكشف تقادم الزمن أنها دافعت عن متهم بالدعارة وممارس للإرهاب.. عبدالرؤوف الشايب، كمثال. المفوضية مطرودة من إيران، رغم ذلك بياناتها بشأن جرائم نظام طهران مهلهلة، حديثها بخصوص أكبر جريمة إنسانية ارتكبت منذ الحرب العالمية الأولى، ونعني جرائم السفاح بشار الأسد بدعم خامنئي إيران، بياناتها تصدر بصوت مبحوح. آن الأوان لتحترم هذه المنظمات المصداقية والعدالة اللتان تدعيان أنهما أساس عملها، أن تستوعب مثل هذه المنظمات أنها أصبحت «ألعوبة» بيد من يريد ممارسة الكذب والفبركة عليها، وأنها أصبحت وسيلة لاستهداف الدول مقدمة لخونة الأوطان دعماً خطيراً وإن كان بالكلام وبيانات الإدانة.
والله لا يضر البحرين أن تتخذ منكم موقفاً وتسد أبوابها أمامكم مثلما تفعل أمريكا وإيران، لكن بلادنا محترمة وراقية في تعاملها، وهي صفات نشك بأنها باتت موجودة لدى مثل هذه المنظمات التي «تحصد» سنوياً اشتراكات الدول لتوظفها لدعم من يحارب هذه الدول.