في منتدى اقتصادي سياسي، حضرته في جمعية «المنبر التقدمي» بالبحرين حول الرأسمالية الخليجية طرح المحاضرون عدة أوراق شائقة حول واقع الرأسمالية الخليجية تناولت التطور الاقتصادي الخليجي ابتداء من تجارة اللؤلؤ التي كانت نمطا اقتصاديا له نظامه المحلي وتشعباته الخارجية وانتهاء بمناقشة واقع «رأسمالية الدولة الخليجية» التي تتعرض اليوم إلى أزمات اقتصادية تحتاج إلى دراسة. وبالرغم من كوني محدودة الثقافة في المجالات الاقتصادية، غير أنه في تقديري أن للرأسمالية الخليجية سمات ثقافية واجتماعية أكثر وضوحاً من السمات الاقتصادية. فمن الناحية الاقتصادية لم تنتج الرأسمالية الخليجية شركات عابرة للقارات ولا صناعات ثقيلة ولا تجارة عالمية، مثلما فعلت باقي الرأسماليات العالمية. لكنها أنتجت واقعا ثقافيا اتسم بالاستهلاكية والاعتماد الكبير على خدمات الدولة. وكان التوجه الاقتصادي الأكثر بروزاً في الرأسمالية الخليجية هو التوجه نحو الاستثمار في القطاعات المصرفية والعقارية والسياحية وشركات الخدمات في مجال الاتصالات والعلاقات العامة. وأكثر ما لفت انتباهي هو تطرق إحدى الأوراق إلى التجربة الاقتصادية الكورية. حيث أشارت الورقة إلى الانتعاش الاقتصادي الكوري الذي بدأ بعد منتصف الثمانينات حينما اتجهت الحكومة لدعم مختلف مجالات الاقتصاد ومنها اقتصاد السياحة والثقافة وقدمت دعماً مادياً سخياً لصندوق أصحاب المبادرات، وبذلك تمكنت كوريا من الترويج للسينما والدراما الكورية التي تم دبلجتها لمختلف اللغات ومنها العربية بمختلف لهجاتها، وروجت لأغاني البوب الكورية. كما تمكنت من دخول اقتصاد التكنولوجيا والتحول إلى منافس عالمي شرس في هذا المجال. وأصبحت مختلف القطاعات الاقتصادية تدر على كوريا مليارات الدولارات بفضل تبني المبادرات الشخصية ودعمها واعتبارها مبادرات وطنية.ذكرتني هذه التجربة بواقع الاستثمار في الإنسان الخليجي الذي لا تنقصه الخبرة ولا الكفاءة ولكن تنقصه الفرصة، فلو فتح المجال بشكل أوسع لتبني الأفكار الخليجية ودعمها وتوجيهها نحو مجالات اقتصادية أكثر تقدما مثل قطاع التصنيع والتكنولوجيا والإنتاج الزراعي والحيواني فلربما طرح شباب الخليج أفكاراً مبهرة يمكن أن تكون بنية تحتية جديدة ومتينة لاقتصاد ما بعد النفط الذي يتعين أن يتحول إلى استراتيجية مستقبلية تبدأ دول الخليج بدراستها.