من دون مجهود كبير يمكن للمتابع أن يلخص رأي الذين تمكن الإعلام الإيراني من غسل أدمغتهم وجعلهم ينقادون إليه في أنهم يعتقدون أن «إيران مع الحق دائماً وأن الحق دائماً مع إيران». هذا ما يمكن للمتابع أن يتوصل إليه وهو يقرأ أو يسمع تعليقات وآراء المهووسين بالتجربة الإيرانية وبما يصدر عن الملالي. هؤلاء ينفون بالنيابة عن الحكومة الإيرانية ما يقال عن سلوك طهران والأطماع الإيرانية في المنطقة ورغبة الملالي في تأسيس امبراطورية فارسية جديدة فيقولون إن «الجمهورية الإسلامية في إيران لا تنظر إلى الأحداث في المنطقة من زاوية بسط السيطرة والنفوذ من أجل الهيمنة»، وأنك إذا «تعمقت في أدبيات قادتها فستجدهم يملكون رؤية مختلفة عن بسط السيطرة». وعندما تسألهم عن تلك الرؤية يقولون إنها تتلخص في أن «هناك احتلال صهيوني لأرض إسلامية عربية مقدسة وأن شعبها يعاني من الظلم، وأنه يقابل ذلك نشوء تحالف عربي طبّع علاقاته مع العدو الصهيوني سراً وصار الآن علانية، ومن ثم صار من الضروري أن يقابل هذا المحور محور المقاومة الشرعي الذي يؤمن بإرجاع الأراضي العربية المحتلة ورفع الظلم عن شعبها». ويضيفون «لو كانت الجمهورية الإسلامية في إيران تؤمن في بسط نفوذها لكانت قد لجأت إلى الاعتراف بالعدو الصهيوني في يوم تأسيسها ولم تعط سفارته لفلسطين لإقامة سفارة فلسطينية في طهران في عام 1979 ولما وقفت في موقع المواجهة مع العدو الصهيوني».
هؤلاء يزعمون أيضاً أن «عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني كلف إيران ولا يزال الكثير مثل شن حرب عليها من قبل النظام العراقي السابق مدعوماً بأمريكا وأوروبا ودول الإقليم والمنطقة والحصار الاقتصادي والسياسي والعالمي الذي طوقت به طويلاً، ويدعون أن «تجربة الصاروخين الباليستيين التي نفذتها إيران أخيراً هزت الكيان الصهيوني وأمريكا وزاد من ذلك التصريح بأن إيران ستوفرها مجاناً للبنان وسوريا والعراق وفلسطين ولكل من يريدها من الدول المستضعفة المظلومة وأن هذا يعني أنه ليس لإيران مصالح هيمنة على المنطقة فالمسألة مسألة الوقوف إلى جانب المظلوم». ويخلصون أيضاً إلى أنه «بناء على كل هذا يمكن التأكيد على أنه لا يوجد لإيران أطماع ولا تتطلع إلى النفوذ بالمعنى المتعارف عليه إمبريالياً وإنما لديها أيديولوجية تنطلق من منظار نصرة المظلوم وإحقاق الحق».
ولأن هذا الفهم والقناعة لا يخصان شخصاً بعينه وإنما هو للأسف فهم وقناعة كثيرين ممن تمكنت الماكينة الإعلامية الإيرانية من السيطرة على عقولهم وأوصلتهم – مستغلة تعاطفهم المذهبي مع قادتها – إلى حد أن يعتقدوا أنه لا يمكن لإيران إلا أن تقول الصدق وتفعل الخير لذا صار لزاماً العمل على دراسة هذا الأمر واعتباره مشكلة، وبالتأكيد لا يمكن توجيه اللوم لأحد من هؤلاء لأنهم نتاج مجهود إعلامي إيراني استمر طويلاً وسيحتاج الأمر أيضاً إلى مجهود كبير من كل المعنيين لتصحيحه.
تعاطف البعض مع إيران رغم كل أخطائها ورغم توفر كل الأدلة والبراهين على محاولاتها التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة يتطلب جهدا غير عادي لإقناع هذا البعض بأن وراء الأكمة ما وراءها وأن قصة محاربة العدو الصهيوني ومناصرة المظلوم ينبغي ألا تنطلي على أحد حيث الدول مصالح وحيث أن إيران لا يمكن أن تتردد لحظة واحدة عن التواصل والتعاون مع كل الكائنات لو كانت لها مصلحة في ذلك، كما أنه منطقا لا يمكن لأي بلد أن يوفر الأسلحة والأموال والدعم لأي شعب أو بلد آخر لولا أنه يتوقع مردودا معينا، أي أن وقوف إيران إلى جانب هذا الشعب أو ذاك أو هذا التنظيم أو ذاك لا يمكن أن يكون من أجل سواد عيونهم، فلإيران مصالح وأطماع تسعى لتحقيقها.