انسحاب الوفد السعودي من اجتماع الدورة الـ145 لمجلس الجامعة العربية بعد أن دافع وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري عن «الحشد الشعبي» و»حزب الله» أمر طبيعي، فمثل هذا الكلام يتطلب مثل هذا الموقف. غير الطبيعي هو أن يشذ بلدان عربيان عن الإجماع العربي، وغير الطبيعي هو تطاول الجعفري بقوله إن «الحشد الشعبي و»حزب الله» حافظا على كرامة العرب، ومن يتهمهما بالإرهاب هم الإرهابيون»، وإذا كان يمكن اعتبار وصفه لـ»الحشد الشعبي» و»حزب الله» بما وصفهما به حقه، فإن ما ليس من حقه هو نعت من ينعت هذين التنظيمين بالإرهاب إرهابياً.
اعتبار دول مجلس التعاون هذين التنظيمين وغيرهما تنظيمات إرهابية جاء بعد توفر ما يكفي من أدلة ملموسة وبراهين، واعتبار جامعة الدول العربية هذه التنظيمات إرهابية لم يأت مجاملة لدول التعاون، ولكن لأنه توفر لديها ما يكفي من المعلومات لتقول ما قالته عن تلك التنظيمات وتصنفها ذلك التصنيف، فلو لم يتوفر للدول العربية ما يكفي من أدلة وبراهين لما وافقت على وصف تلك التنظيمات بالإرهاب، فلا مجاملة في مثل هذا القرار.
موقف العراق ولبنان متوقع، ولو كانت إيران ضمن أعضاء جامعة الدول العربية لوقفت إلى جانبهما، أو بالأحرى، لوقفتا إلى جانبها، فإيران هي المسيطرة على هذين البلدين وحكومات العراق ولبنان وسوريا لا تستطيع أن تخالف ما تراه وتقول به حكومة طهران. سوريا محكومة من قبل إيران، والعراق محكوم من قبل إيران، وكذلك لبنان، ولو كانت حكومة اليمن حوثية لانضمت اليمن إلى موقف العراق ولبنان.
هذا يعني أن الخلل يكمن في هذا الشق وليس في الشق الخليجي. إيران مهيمنة على سوريا والعراق ولبنان، وبالتالي فإن من الطبيعي ألا يقول مندوبا العراق ولبنان ما قد يغضب إيران فهي ولية نعمة هذه الدول وهي التي من حقها أن تحدد مواقف حكوماتها وتوعز لمندوبيها ليقولوا ما تريد هي قوله.
ما قاله الجعفري في الاجتماع المذكور لا يعبر عن العراق وإنما عن إيران، فذلك القول قول إيراني، وذاك الموقف موقف إيراني، والأمر نفسه فيما يخص لبنان، ولولا أن إيران تهيمن على هذه البلدان وتتحكم في قراراتها لما خرجت على الإجماع العربي الذي يخيف إيران ويربك خططها.
ما قاله وزير الخارجية العراقي ينبغي أن يستفاد منه أولاً في تحديد الفريق الـ»مع» والفريق الـ»ضد»، وما قاله وعبر به عن موقف العراق ولبنان يفترض أن يحفز الدول العربية كلها على البحث لإيجاد مخارج لتحرير هذين البلدين وسوريا من ربقة الاستعمار الفارسي، فما ينبغي أن تعلمه الدول العربية هو أن سوريا والعراق ولبنان بلدان عربية تخضع اليوم بشكل أو بآخر للاستعمار الفارسي وأن تتأكد أن إيران ستفعل المستحيل كي تظل ممسكة بها عبر «حزب الله» الذي تريد أن تخيف به كل البلاد العربية وكل من يحاول أن يكشف حقيقة هذا الحزب الذي دمر لبنان وأوقعه في حرج كبير وأساء لمكانته.
يتمنى المرء ألا يطول الوقت حتى يعود العراق وسوريا ولبنان إلى أحضان الأمة العربية، لكن أمراً كهذا لا يتحقق بالأمنيات ولكن بالعمل الدؤوب الذي هو مسؤولية الدول العربية كلها وعلى الخصوص المملكة العربية السعودية التي يقع عليها اليوم العبء الأكبر في توحيد هذه الأمة وإعادة الاعتبار إليها.
انسحاب الوفد السعودي من الجلسة للاحتجاج على ما تضمنته كلمة وزير الخارجية العراقي من إساءة أمر مهم ولاشك، لكن الأهم هو العمل على تخليص العراق وسوريا ولبنان واليمن من الهيمنة الفارسية، التي لا تتأخر عن العمل على شق الصف العربي.