البحرين كدولة أنفقت ملايين عديدة على علاج مواطنيها في الخارج، وهي عملية دأبت عليها منذ عقود، في سبيل توفير أفضل سبل العلاج.
ويحسب لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء حفظه الله تفاعله السريع الدائم مع الحالات التي تنشرها الصحافة بشأن المحتاجين للعلاج، سواء في داخل البحرين أو خارجها، وأن سموه دائماً ما أمر بعلاج عديد من المواطنين في الخارج على حساب الدولة، في حال لم يتوافر العلاج في الداخل.
أذكر أنني كنت ضمن حضور مجلس الأمير خليفة في تلك الجلسة التي تحدث فيها سموه عن العلاج ودور الدولة فيه ودعمها للمواطنين، طارحاً نقطة في غاية الأهمية تتمثل بأن تكاليف العلاج في الخارج تكلف الدولة كثيراً من الأموال، ورغم ذلك لا تتردد الدولة في دعم عديد من الحالات، لكن سموه أشار لفكرة ذكية لا تصدر إلا عن عقلية إداري محنك، مقترحاً استقطاب الخبرات الطبية العالمية لفترات قصيرة وبشكل دوري، وضمن تخصصات نادرة، بحيث تعاين الحالات الموجودة في البحرين وتقوم على علاجها، وتكون الخبرات المستقطبة في زيارات قصيرة، هي التي تمثل وجهة يتجه لها المحتاجون للعلاج في الخارج.
الجميل في المسألة أن فكرة سمو رئيس الوزراء تحولت إلى توجه، وعملت وزارة الصحة مشكورة على تحقيقها على أرض الواقع.
وعليه الخبر المنشور أمس يثلج الصدر، رغم أننا تمنينا أن يتم إبرازه بشكل أكبر، ومنحه المساحة التي يستحقها عبر وسائل الإعلام.
خبير المسالك البولية للأطفال البروفيسور الهولندي «توم دي جونج» تواجد في البحرين طوال خمسة أيام من الخامس من مارس حتى العاشر، وقام بمعاينة 23 حالة، والأجمل أنه أجرى 14 عملية دقيقة ومعقدة في مجمع السلمانية الطبي، كلها كانت لأطفال يعانون من عيوب خلقية وتشوهات في المسالك البولية والأجهزة التناسلية، وقد تكللت هذه العمليات بالنجاح.
تذكروا الأرقام، 14 عملية «دقيقة» و»معقدة» خلال خمسة أيام، أفرحت أهالي هؤلاء الأطفال بنجاحها، وعلى يد أحد أمهر الأطباء العالميين، ووفرت في جانب آخر على الدولة مصاريف العلاج في الخارج، من سفر المريض ومرافق معه، وتكاليف العلاج في المستشفيات الغربية، وبدل ذلك تم استقطاب الطبيب المعالج والاستفادة من وجوده.
يزيد الموضوع جمالية أن المعاونة التي تلقاها الجراح العالمي جاءت من قبل كادر بحريني مميز وطموح، كان لوجوده سبب في نجاح هذه العمليات، وفي نفس الجانب يعتبر ذلك مكسباً لهذه الكوادر الوطنية، عبر الاطلاع عن كثب على الأساليب الاحترافية المتقدمة في المعالجة والجراحة من خلال العمل عن قرب مع الخبرات العالمية، وفي هذه استفادة عملية رائعة نأمل أنها طورت من تراكم الخبرات العملية لأبناء الوطن العاملين في سلك الطب.
الإيجابي بالنسبة للمرضى، أن العمليات تمت في البحرين، ما يعني أنهم بين أهاليهم وأقربائهم وأصدقائهم، ولم يتكبدوا عناء السفر والتغرب.
هنا تستحق وزارة الصحة التحية الكبيرة على التفاعل السريع مع فكرة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة، والتي تحولت لتوجيه عملي، دون أن تتلكأ الوزارة أو تتباطأ في تحويل الفكرة لواقع.
والمثلج للصدر تصريحات مسؤولي الوزارة بأن دعوة الجراح الهولندي ليست سوى بداية سلسلة من الدعوات التي ستوجه لأطباء عالميين في مختلف التخصصات، حتى يستفيد الناس منهم، وفي نفس الوقت تستفيد الكوادر الطبية من تناقل الخبرة، ومن النصائح والتوجيهات التي سيقدمونها.
التداعيات الإيجابية لهذه الممارسة تمثلت في الانطباع الإيجابي الذي سجل من قبل عوائل المرضى الذين تمت معالجتهم، والذين بعضهم مازال في فترة نقاهة وبعض آخر خرج سليماً من المستشفى، بالإضافة للانطباع الإيجابي من قبل الأطباء البحرينيين، دون نسيان استفادة وزارة الصحة من توفير المبالغ المخصصة للابتعاث للعلاج في الخارج وتوجيهها لتطوير عمل الكوادر الطبية وتحديث الأجهزة الطبية وتوفير ما يتطلب توافره لتقديم أفضل مستويات العلاج.
ما يستفاد من هذه الحالة يتمثل في أن الأفكار حينما تطرح، لابد وأن يتم اختبارها ووضعها في إطار التنفيذ العملي، إذ كثيراً ما يقدم الناس أفكاراً ومقترحات لحلول، لكننا لا نعرف مدى تأثيرها إلا في حال تطبيقها واختبارها.
وفي الحالة التي لدينا، جاءت الفكرة من صاحب القرار في الحكومة، من خليفة بن سلمان نفسه، ليقدم لنا درساً بليغاً في كيفية التفكير العملي، وكيف أنه يمكننا «ابتكار الحلول» العملية التي تخدمنا وفي حدود إمكانياتنا، والأهم، بما يحقق النتائج المرجوة، ويضمن خدمة الناس.