غنى البحرين يتأتى من تنوع نسيجها الديموغرافي وتعدد أصول هذا النسيج العرقية وتنوع مذاهبه الدينية ومشاربه الفكرية. وجمال البحرين وثراؤها بما تملكه من تاريخ مشهود له بالتعايش بين تلك التنوعات، وبالبيئة المتسامحة العفوية والتلقائية التي مزجت هذا الخليط في بوتقة واحدة، إنما ما عاد الأمر كذلك يعتمد على بيئة تلقائية عفوية، فالعالم أصبح أكثر تعقيداً عن ذي قبل.
الدول التي تشكلت أساساً من التنوعات العرقية كالولايات المتحدة الأمريكية أو حتى الدول التي وجدت نفسها مضطرة أن تضم تنوعات عرقية ومذهبية ودينية متنوعة لم تترك الأمر للعفوية والتلقائية بل وضعت لها مشروعاً يؤسس ويحفظ لها هويتها.
إن الدولة والمجتمع في تلك الدول تراضت على الإقرار بتنوع نسيجها الاجتماعي، لكنها تراضت بعد أن أصرت بل وقننت ووضعت عقوبات قاسية تصل إلى سحب الجنسية ممن يضع أياً من تلك الهويات السابقة بدرجة أعلى أو تستبق درجة من الجنسية المكتسبة، وكل ما تمثله تلك الجنسية من رمزية، سواء كان علمها أو لغتها أو غيرها من مظاهر تلك الهوية، وبما لا يدع مجالاً للشك لأمنها واستقرارها ومصالحها القومية.وهذه شروط أساسية لحق اكتساب الجنسية وشرف الانتماء للدولة، توافقت عليها جميع الأطراف ذات العلاقة، المجتمع والدولة والمواطنون الجدد. فالتشريعات ضامنة لهذا الالتزام، وتدابير تنفيذها تؤكد احترام التنوع لكنها ملزمة باكتساب الهوية الوطنية، ملزمة بالتحدث باللغة الوطنية في الأماكن العامة في مواقع العمل في المراسلات في التخاطب مع العملاء، ملزمة بقوة القانون.
هناك منظومة كاملة تشريعية وتنفيذية وهناك مشروع وطني متكامل لتعزيز الهوية الوطنية أدركت الدول المتعددة الأطياف أهميته، دون أن تخلق تلك المنظومة أي ردود فعل سلبية لدى المواطنين بتعدد مشاربهم، لأنها منظومة حرصت على ألا تزدري الأصول والأعراق، وصيغت بشكل لا يتعالى على تاريخ تلك الأطياف وأصولها، ولا تقلل من كرامة واحترام تلك الأصول، لكن الحق.. حق، لوطنك اليوم أولوية تستدعي منك إلزام أبنائك وإلزام نفسك بإجادة لغته، بارتداء ملابسه، برفع علمه، بإلزام المؤسسات العامة والخاصة بتنفيذ وتطبيق ما يؤكد على هويته الوطنية، حتى نتمكن جميعاً من خلق بوتقة تستطيع أن تصهر هذا التنوع وتجعل من الوحدة الوطنية أمراً ممكناً. على سبيل المثال لا الحصر ولا أريد أن نحصر المسألة في هذا المثال بقدر ما أتوخى الحرص في تقريب الصورة قدر المستطاع، فالأمثلة التي بإمكاننا طرحها على التقاطع بين الهوية الوطنية وبين الأصول العرقية كثيرة. فلا غضاضة مثلاً في الاحتفاء بتلك التنوعات التاريخية الأصولية لأي جماعة في أي مناسبة احتفالية تؤكد على حق الحنين للأصول والجذور، إنما على تلك التنوعات أن تحرص في ذات الوقت على إبراز الاعتزاز بالهوية البحرينية سواء الأصيلة منها أو حتى المكتسبة للمستجدين من مستعربين، إن لم يكن ذلك «بالشيمة» فبالقانون.
ولا يجب أن يثير لدى أي من البحرينيين هذا الشرط القانوني أي حساسية أو تحفز مضاد، مثلما لا يجب أن يثير لدى البحريني أي مظهر احتفائي من مظاهر هذا الحنين، طالما -ونؤكد- طالما أن هذا الاحتفاء مشروط ومقرون بالاعتزاز بالهوية البحرينية هو الذي يصلنا في خاتمة المطاف ويظهر بشكل واضح وجلي بلا مواربة وبدرجة تفوق على أي مظهر من مظاهر الاحتفاء بالجذور والأعراق.
لا مانع من الحديث في المنزل وبين الأصدقاء باللغة الأم، لكن يحظر حظراً تاماً التحدث بهذه اللغة في الأماكن العامة وأماكن العمل حتى تضطر الأسر إلى تعليم أبنائها اللغة العربية واللهجة البحرينية، مع التشديد على احترام الأصول والأعراق، فالتنوع العرقي والديني في كل دول العالم المتحضر يبرز ويحتفى به من الدولة ومن كل الأعراق الأخرى لبعضها البعض طالما أن ذلك يتم تحت مظلة العلم والرمز الوطني واللغة الوطنية، طالما الإقرار بوحدة المصب متفق عليه وهو البحرين فإن تعددت الروافد لا يضير.
فالمكسيكي إلى جانب الأفريقي إلى جانب الأيرلندي إلى جانب العربي والإيراني والهندي كلهم يبرزون هوياتهم الأصلية ويحتفون بجذورهم، إنما تحت العلم الأمريكي -على سبيل المثال- طالما يحملون العلم الأمريكي ويرفعونه فوق أكتافهم.
الحجة بأن الدول الأجنبية فيها تنوع فلم لا نقبل -نحن كمجتمع- بهذا التنوع؟ ولم نحرم تلك الأطياف من أن تبرز هوياتها الأصلية وتحتفي بها كما تفعل الدول الأجنبية مع تنوعات أطيافها؟ هي حجة مبتسرة، مقطوعة من سياقها، حجة كأنها «لا تقربوا الصلاة»، فلا توجد دولة في العالم تهاونت بهويتها الوطنية ولم تفرضها بقوة القانون مع احترامها لأية جذور تاريخية لأي مواطن.
ملاحظة:
أرفض رفضاً تاماً أي جدال حول هذا المقال يبنى على ازدراء أي فئة أو التحقير منها أو اعتبار أصولها وجذورها «تهمة» يجب التبرؤ منها.