لا حدود للمستحيل، وبناء على هذه المقولة يجب أن تعمل الدول والشعوب، فالإنجازات لا تتحقق حينما يضع المرء أمامه المعوقات، أو يستصعب عملية تحقيق النجاح.
لنسترجع سير المخترعين الكبار، والذين قدموا للعالم اختراعات وابتكارات مازلنا اليوم نفكر كيف وجدت الفكرة الأولى بشأنها، كونها اختراعات كانت لها تأثيرات عظيمة في حياة الأفراد، بل ساهمت في نهضة أمم عديدة.
الفكرة تبدأ صغيرة، وكثير من الأفكار تبدأ وكأنها ضرب من الجنون، أو نوع من السخافة.
ودعونا نتوقف عند «الأفكار السخيفة» التي يراها البعض وفق هذا المنظور، ونترجم المسألة عبر عمليات «العصف الذهني» التي تستخدم لمسح الأفكار كلها بجديتها وهزليتها بنجاعتها وجنونها في إطار محاولات الخروج بأفكار جديدة أو فارقة أو غير مألوفة، لنكتشف بأن علم «التفكير الإبداعي» يقوم على تدوين كل الأفكار، والتوقف عند أكثرها جنوناً أو أكثرها سخافة، إذ هذا العلم لا يعترف بوجود «شيء سخيف» أصلاً، إذ هو يفسرها على أنها أفكار غير تقليدية يمكن أن ينتج عنها كشف مذهل، أو إنجاز بارع، أو اختراع منقطع النظير.
بالتالي النصيحة التي تقدم هنا للجميع، بالأخص للصغار والمراهقين والناشئة حينما نحثهم على العمل والابتكار وانتهاج أسلوب التفكير الإبداعي، بألا يستصغروا أي فكرة، ألا يستبعدوا أي شيء جنوني يخطر على بالهم، فكما قلنا أعظم الإنجازات جاءت من أفكار غريبة.
سبب الحديث هو الحراك الحاصل في مركز العلوم والبيئة التابع لوزارة التربية والتعليم، وهو حراك يستحق تسليط الضوء والاهتمام بمضامينه وأهدافه.
قد يغيب عن كثيرين ونحن ضمنهم أن هناك محاولات احتضان لإبداع الطلبة يقوم بها هذا المركز، محاولات كشف عن إبداعات أبنائنا، ومساع لتطوير نمط تفكيرهم، وحثهم على البحث والمحاولة والإنجاز.
مركز «غلوب» وهو اختصار لاسم المركز يطلق حالياً النسخة الثانية عشرة من «المسابقة الوطنية لعلماء المستقبل»، وهي معلومة قد لا يعرف عنها الكثيرون.
كبحريني زادني فخراً أن أعلم بأن المركز يعمل اليوم على تقييم 86 مشروعاً طلابياً في إطار هذه المسابقة.
لا تستهينوا بالرقم، بل تمعنوا معي، 86 مشروعاً من إعداد أبنائنا الطلبة، مشروعات ليست بالعادية بل هي داخلة في تصنيف يؤهلها للمنافسة تحت مسمى «علماء المستقبل»، أي أن لكل واحد منها فكرة مميزة، وهدف مختلف، من خلال البحث فيه يمكننا اكتشاف نوعيات مختلفة من أنماط التفكير لدى طلابنا، ويمكننا معرفة مستوى التطور الذي حصدوه من خلال العملية التربوية وما أضافوا لها من اكتساب لخبرات ومعارف، والأهم ما اكتسبوه من دافعية باتجاه الابتكار والتميز.
هي النسخة الثانية عشرة، ما يعني أن إحدى عشرة نسخة سبقتها، ما يعني أن المشاريع التي شارك بها أبناؤنا الطلبة أكثر من مئات، إذ فقط هذا العام شاركوا بـ 86 مشروعاً.
الجميل أن تقسيم المشاريع يبين أن هناك مشاريع مقدمة من قبل الطلبة في المرحلة الابتدائية وكذلك الإعدادية والثانوية، ما يعني أن لدينا مجموعة من الطلبة المتميزين أصحاب الفكر الإبداعي في مختلف المراحل الدراسية.
هذه الأرقام مبشرة، وتكشف لنا بأن هناك توجهاً صريحاً للاهتمام بالجوانب الإبداعية لدى الطلبة، والأهم - وهذا ما نأمله - أن العملية قائمة على ممارسات تستهدف تحفيز الطلبة وتفجير الطاقات الإبداعية لديهم.
أتذكر أننا في المرحلة الثانوية كانت لدينا مادة باسم «المجالات» وتحتها عناوين عديدة لأنشطة وفعاليات كانت قائمة على المهارات والكشف عن الإبداعات، كنا نفرح بحلول حصة «المجالات» ونعتبرها مادة مختلفة عن المواد الأخرى، فهي تمنحنا المساحة لممارسة ما نحب من أنشطة، لنصقل مهاراتنا في جوانب معينة، ولننتج ونبدع.
اليوم في البحرين لدينا مراكز تابعة للدولة تهتم بهذه الأمور، لدينا مركز للموهبين، ولدينا كلية للتكنولوجيا، ولدينا مركز للعلوم والمعرفة، وتوظيف هذه المراكز والكيانات في احتضان الناشئة وتفجير إبداعاتهم مكسب كبير للبلد.
الفكرة تتلخص في أننا لابد وأن نستمر في عملية البحث عن المبدعين والموهوبين، وضرورة احتضانهم وصقل مهاراتهم، دون إغفال أهمية تنمية مهارات التفكير الإبداعي والتخطيط الذكي لديهم.
خطوة رائعة هي التي يقوم بها مركز «غلوب»، إذ إعداد جيل من المبدعين وممن يمكن وصفهم بـ «علماء المستقبل» ليس إلا صناعة امتداد لأجيال الوطن عبر رفدهم بأجيال «ذكية» في ممارساتها، مبدعة في ابتكاراتها، وملهمة في اختراعاتها.
في الطاقات البحرينية الخير الكثير، وواجب علينا كدولة أن نبحث عنهم، وأن نطورهم ونحتضنهم، لأن النتيجة في النهاية ستصب لصالح البلد وستسهم في تطوير الحراك فيها ودفع عجلة التنمية لا محالة.