في إطار المساهمة في نشر جزء من الثقافة القانونية وتوعية الأطراف ذوي العلاقة بشأن المشتريات والمبيعات الحكومية وما يتمخض عنها من علاقات عقدية بين أي من الوزارات أو أحد الأجهزة الحكومية وأي من الموردين أو المقاولين المساهمين معها في تسيير المرفق العام الذي تديره.
ونظراً لما يشكله هذا الموضوع من أهمية كبيرة على كافة الصعد، وتجنباً للوقوع في بعض إشكاليات تنفيذ العقود الناشئة عن تلك العلاقة؛ يسرنا أن نساهم وبالتعاون مع جريدة «الوطن»- من خلال مقالات متتابعة - إلقاء الضوء على أهم ما يميز العقد الإداري؛ ابتداءً من إعداد المواصفات الفنية والإعلان عن المناقصة أو دعوة المؤهلين من الموردين أو المقاولين، مروراً باستلام العطاءات وتقييمها وترشيح العطاء الفائز منها وإصدار قرار الترسية، وانتهاءً بإبرام العقد وما قد ينتج من مشاكل عملية أثناء التنفيذ سواء من جانب الجهة المتعاقدة أو من جانب المورد أو المقاول المتعاقد.
وتمارس الإدارة «أي الوزارة أو الهيئة أو المؤسسة العامة أو أية جهة حكومية» نشاطها عادة عن طريق القرار الإداري والعقد الإداري، وهي التي تقرر متى وأين تستخدم أي من الوسيلتين، إذ إنه ليس في جميع الأحوال يمكنها إصدار القرارات الإدارية، وإنما قد تلجأ في حالات محددة إلى أن تتفق ودياً مع الأفراد أو الشركات إذا ما قدرت أن هذه الطريقة تحقق أهدافها ومن ثم المصلحة العامة، وذلك عن طريق إبرام عقد يوضح فيه التزامات وحقوق كل طرف.
والعقود التي تبرمها الإدارة ليست ذات طبيعة واحدة ولا تخضع لنظام قانوني واحد، حيث تستطيع جهة الإدارة الاختيار بين الأخذ بأسلوب القانون الخاص أو الأخذ بأسلوب القانون العام.
والعقود التي تبرمها الإدارة بأسلوب القانون الخاص هي تلك العقود التي تتخلى فيها الإدارة عن امتيازات السلطة العامة وتكون الإدارة في ذات الكفة التي يتميز بها المتعاقد معها وتتعامل مع الأفراد أو الشركات، كما يتعاملون فيما بينهم، حيث تعتبر العقود في هذه الحالة عقوداً مدنية وليست إدارية وتخضع للقانون الخاص ويختص بالبت في منازعاتها القضاء العادي، وليس القضاء الإداري.
وعادة ما يتم التعاقد وفقاً لهذه الطريقة بالنسبة للمشروعات التجارية والصناعية الصرفة، أو عندما يتعلق العقد باستغلال الأموال الخاصة للدولة.
أما عقود الإدارة التي تخضع لأحكام القانون العام فهي العقود التي تبرمها بوصفها سلطة عامة وتهدف بها إلى تنظيم مرفق عام وتسييره، وتخضع هذه العقود لقواعد خاصة في القانون الإداري ومن ثم يختص القضاء الإداري بالفصل في منازعات هذه العقود في الدول التي تأخذ بنظام الازدواج القضائي «الإداري والعادي»، وهذه العقود تسمى «العقود الإدارية» وهي الأكثر عدداً بين العقود التي تبرمها الإدارة والأكثر شيوعاً في الوقت الحاضر.
وأياً ما كان الأمر فإن شكل العقد وتضمينه شروطاً استثنائية خاصة تتميز بها الإدارة على المتعاقد معها، تعتبر عناصر تشكل دليلاً واضحاً على نية الإدارة في التعاقد طبقاً للقانون العام ومن ثم تكون هذه العقود عقوداً إدارية.
وهناك عقوداً إدارية بتحديد القانون، مثل عقود الأشغال العامة وعقود بيع أملاك الدولة وعقود القروض العامة التي تبرمها الدولة والعقود الخاصة بشغل الأملاك العامة، أما العقود الإدارية بطبيعتها فهي التي يبرمها شخص معنوي عام بقصد تسيير مرفق عام أو تنظيمه، وتظهر نيته في الأخذ بأحكام القانون العام بتضمين العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص، مثل عقود المقاولات والخدمات والتوريدات التي تبرمها جهة الإدارة.
وجهة الإدارة ليست ملزمة بإتباع أسلوب معين في إبرامها لعقودها سواء الإدارية أو المدنية، وإنما تتمتع بسلطة تقديرية في اختيار الأسلوب الذي تتعاقد به.
ولكن أغلب القوانين واللوائح تلزم الإدارة بالالتجاء إلى أساليب محددة في الشراء في حالات معينة، حيث إنه إذا خالفت الإدارة ذلك، يكون قرارها قابلاً للطعن فيه بالإلغاء. يتبع.