لا شيء يميز شعوب الأرض اليوم أكثر من الالتزام بالنظام العام، فحين نصف أفراد شعبٍ ما بأنهم يحبون النظام ويلتزمون بقواعده ونظمه فهذا يعني أننا نصفهم ونلصق بهم صفة الرقي والتقدم، أما بقية الأشياء الأخرى على الرغم من أهميتها إلا أنها لا تعني الكثير لهؤلاء مقابل احترامه النظام.
اليوم لدينا نماذج متقدمة من شعوب العالم الحر يشار إليهم بالبنان، كالشعب الياباني والشعب السنغافوري وغالبية الشعوب الأوروبية أيضاً، حيث يعود الفضل في تسنمهم هذه السمعة الحسنة والراقية هو في كونهم يحافظون على النظام العام منذ الصغر وحتى أن يقفوا طوابير للموت على بوابة المقابر، فلا شيء مقدساً عند تلكم الشعوب سوى أن يحافظوا على النظام ويلتزموا به، سواء كان ذلك الأمر كبيراً أم تافهاً. ليس هذا وحسب، بل غالبية هذه الشعوب تدين بدين النظام العام وتقدسه، وتعتبر من يخالف هذا النظام الذي ينظم حياتهم اليومية خارجاً على القانون وربما يكون منبوذاً عند جميع شرائح المجتمع، وبهذا الوعي وامتلاك هذه الثقافة المتطورة من الناحية الفعلية، استطاعت تلك الشعوب أن تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار وتحضر، بعيداً عن الخطب الرنانة والبيانات الفارغة والشعارات الخاوية والممارسات الخاطئة، فهم يرون ويعتقدون أن المحافظة على النظام هو المعادل الحقيقي للنهضة والتقدم والازدهار، فمن دون ذلك لن ترتفع لهم راية، ولن تبقى لأي شعب منهم كلمة تحترَم.
إن أفراد المجتمع الذين يرمون «أوساخهم» من نوافذ منازلهم وسياراتهم إلى الشارع دون أدنى وخز ضمير، والذين يرمون فضلاتهم فوق الحشائش الخضراء بعد كل نزهة يقومون بها للمنتزهات والحدائق والسواحل العامة، والذين يهرولون خارج الطوابير في المؤسسات الخاصة والعامة ويسيرون أمام الجميع ممن سبقهم دون حياء أو خجل ليقفوا في المقدمة دائماً وأبداً، والذين يحتقرون أنظمة المرور والسير كلها ويتقدمون على غيرهم ممن ينتظرون دورهم بالدقائق وربما بالساعات في طوابير طويلة ومملة داخل سياراتهم، والذين يعاندون ويعادون النظام العام بشكل عام، كل أولئك الجاحدين لنعمة العقل والأخلاق والنظام والقانون لا يستحقون الاحترام، ولا يمكن أن يبنوا دولة متحضرة تقوم على العدل والمساواة، لأنهم باختصار شعوب متخلفة.
نحن هنا لا نتحدث عن الشعب البحريني ولا عن بقية الشعوب الأخرى، وإنما نتكلم عن هذه الأزمة الثقافية والسلوكية بشكل عام، كما أن حديثنا هذا يمكن أن يكون «مسطرة» حقيقية لتقدم الشعوب أو تخلفها، فالمجتمعات التي تجد فيها رائحة حب النظام والالتزام بقواعده بشراسة فهي مجتمعات متقدمة ومتطورة وواعية حتى من دون أن نسميها، أما المجتمعات التي مازالت لا تفرق بين حاوية القمامة والشارع فعليها أن تعيد النظر في وجودها واستمراريتها فضلاً عن منافستها لبقية الأمم المتقدمة في العلم والمعرفة.