«مناقشة قضية محلية في سفارة أجنبية مسألة لا تدخل العقل، وموضوع فيه تقليل من احترام الناس لأنفسهم»، هكذا كتب إعلامي خليجي في محاولة منه لإثارة هذا الموضوع الخطير لكن غير الجديد، وهذا هو حكم كل وطني وكل عاقل، ذلك أن مناقشة قضية محلية في سفارة أجنبية يعني باختصار فتح الباب أمام الأجنبي -أيا كان- للتدخل في الشأن المحلي، عدا أن فيه تقليلاً من احترام فاتحي هذا الباب لأنفسهم وتوفير الفرصة للأجنبي كي ينظر إليهم بطريقة غير لائقة، ففتح هذا الباب هو في بعض صوره إعلان عن القبول المبدئي ببيع الوطن، ومن ينحدر إلى هذا المستوى لا يمكن أن ينال احترام الأجنبي.
هنا في البحرين تعودت بعض الجمعيات السياسية حتى قبل قليل مناقشة قضايا محلية مع بعض السفارات الأجنبية عبر لقاءات تتم في تلك السفارات أو خلال لقاء بعض أعضائها بالسفير أو ممثلين له في مقراتها، وهو الأمر الذي حاولت وزارة العدل وضع حد له عندما أصدرت قراراً يلزم الجمعيات السياسية بالتنسيق مع وزارة الخارجية في لقاءاتها مع السفارات والقنصليات والبعثات الدبلوماسية والمنظمات الأجنبية واشترطت حضور ممثل لوزارة الخارجية لهذه اللقاءات.
ليس معروفاً -بالنسبة لي على الأقل- ما إذا كان قد تم تطبيق هذا القرار لكن الأكيد أن اللقاءات بين تلك الجمعيات وبعض السفارات الأجنبية لمناقشة قضايا محلية لم تتوقف، فمثل هذه اللقاءات يمكن أن تتم خارج مباني السفارات وخارج مباني الجمعيات السياسية وخارج البحرين، وإن تم معرفة حصوله فإن الأكيد يصعب معرفة ما دار فيه.
مثل هذه اللقاءات وإن كانت تفرح تلك الجمعيات وبعض الأفراد إلا أن الثابت هو أنها تسهم في تأزيم الوضع وتعقيد المشكلة التي تعيشها البحرين منذ عدة سنوات، ولولا اللقاءات التي تمت في السنوات الأولى للمشكلة، والتي فتحت الباب أمام الأجنبي ليدلو بدلوه فيها لما تعقدت المشكلة ولعلها انتهت سريعاً، فما يفترض ألا تكون تلك الجمعيات غافلة عنه هو أن السفارات الأجنبية تنظر إلى مصلحتها قبل كل شيء ولا يهمها غير ذلك، أي أنها تستفيد من تلك الجمعيات لكنها لا تفيدها وإن وفرت لها من معسول الكلام ما يجعل حاضري تلك اللقاءات يوسعون من دائرة آمالهم ويتشبثون بحلمهم أو بأحلامهم أكثر.
ما ينبغي أن تعلمه تلك الجمعيات أيضاً ويعلمه كل من يأمل خيراً في السفارات الأجنبية على اختلافها هو أن الدولة -أي دولة- لا يمكن أن تقبل بهكذا استعانة لأنها تفتح باباً يتأذى منه الوطن، وبالتالي فإن من الطبيعي أن تسعى لسده، ومن غير المعقول أن تترك الساحة الداخلية مفتوحة لكل من شاء ليفعل ما يشاء ويستعين على حل مشكلات الوطن بالأجنبي الذي يفرح بالاستجارة به كون هذا الأمر يتيح له الفرصة ليخدم أجندته.
ربما لم نسمع عن حصول مثل هذه اللقاءات بين الجمعيات السياسية والسفارات الأجنبية في الفترة الأخيرة، لكن هذا لا يعني أن اللقاءات توقفت وأن الاتصالات بين هذه الأطراف صارت صعبة، فهناك ألف حيلة وحيلة لتحقيق ذلك، فمن يقبل على نفسه مثل هذا الأمر لن يعدم الوسيلة، خصوصاً في هذا الزمن الذي يسهل التواصل فيه ويسهل التحايل على كل قرار.
حلول مشاكلنا المحلية لن يأتي بها الأجنبي، والضغوط التي يأمل البعض أن يمارسها الأجنبي على الحكومة لا يمكن أن تحقق الهدف الذي ينشده، ويكفي معرفة أنها تحدث نتيجة طلب من ذلك الذي قبل على نفسه الاستعانة بالغريب كي لا يستجاب لها. تعلمنا صغاراً أن الأسهل من لمس أذنك اليسرى بيدك اليمنى لمس اليمنى لأنها الأقرب.