مع الاحترام الشديد للنائب الفاضل الأخ عيسى الكوهجي، والذي أقدر له شخصياً عديداً من المقترحات الطيبة والوقفات الإيجابية لأجل الوطن والمواطنين، وخصوصاً لأبناء دائرته الانتخابية الذين منحوه الثقة وجددوها له، إلا أننا نحتاج لمناقشة المقترح الأخير الذي قدمه ولاقى تفاعلاً متبايناً في مواقع التواصل.
الكوهجي اقترح أن تكون مكافأة النائب بواقع 100 دينار، فيما يفهم بأنها دعوة لاستبدال المكافأة الحالية التي تبلغ 2000 دينار يضاف لها البدلات المعنية بالمكتب والسيارة وبدل التمثيل لتوصل المكافأة الإجمالية إلى 4700 دينار، باستثناء طبعاً بعض الفوارق في وضع رئيس المجلس ونائبيه.
أفهم بأن المقترح طرح بحسن نية وبهدف ضرورة دفع النواب ليواكبوا الوضع المالي والاقتصادي الحالي الذي تمر به الدولة، والذي بسببه جرت على المواطن تغييرات أثرت مباشرة في حياته، ابتداء من إعادة توجيه الدعم عن اللحوم، مروراً برفع سعر المحروقات وصولاً إلى إعادة التعرفة المعنية بالماء والكهرباء، والله وحده يعلم ما ينتظرنا في المستقبل.
كثيرون تفاعلوا إيجاباً مع مقترح الكوهجي، بل رأوا أن هذا أقل الواجب الذي يقدمه النواب، خاصة من ربطوا ترشح النواب بخدمة الوطن والمواطن، والذي من ناحية المبدأ يكون هو الأساس قبل أي نظير مادي.
لكن في المقابل كان هناك رأي آخر، فيه من عقلانية الطرح الشيء الكثير، إذ لا يعقل أن يكون مقدار الخفض في مكافأة النائب لهذه الدرجة، لتحول مكافأته إلى «رقم رمزي» حتى رواتب الخدم أصبحت تفوق المائة دينار.
نعم هناك تباينات، فبعض النواب من عائلات لها باع في التجارة، بعضهم رجال أعمال، وبعضهم لديهم «بزنس» خاص، وبعضهم متقاعدون لهم رواتب تقاعدية، لكن في مقابلهم هناك من ترك وظيفته الأصلية في قطاع خاص أو عام ليدخل المجلس، لا لأجل المال - إن أحسنا النية - لكن لخدمة الناس، ومع ذلك لا يعقل أن نقول له شكراً وعملك يفترض أن يكون «عملاً خيرياً» وألا يتقاضى عليه مقابل، وإن فعلنا فالأولى أن نقول من البداية أن الترشح لمجلس النواب «عمل خيري»، وهو عمل لا مقابل مادي له، وفي هذه الحالة سنكون البلد الوحيد في العالم الذي يعامل البرلمان وأعضاءه بهذه الطريقة.
يا جماعة الخير، مع التقدير الشديد للمقترح، لكننا اليوم نحتاج للتفكير بواقعية، إذ لا يفيدنا أن ننغمس في حديث طويل متشعب فيه أخذ وجدب بشأن موضوع نعرف تماماً أنه من الاستحالة تحقيقه، أو منطقياً لن يحصل، حتى لو كان الهدف سامياً.
إن كان من توجه في هذا الجانب، فخذوها من المواطنين أنفسهم فيما يتعلق بنوابهم الذين صوتوا لهم.
الناس أعلنت مراراً امتعاضها من السفرات العديدة للنواب والتي تكلف الكثير، بالتالي قللوا منها واقصروها على المشاركات الضرورية المرتبطة بعلاقات الدولة مع الجهات التشريعية الأخرى. وحين نقول هذا لا نعني أن نسافر بوفد لكندا أو اليابان تحت توصيف «الاطلاع على التجربة البرلمانية هنا»، نحن وصلنا لقرابة 16 عاماً من العمل البرلماني، ما ينفي وجوب الاطلاع على تجارب الآخرين في أقاصي الكرة الأرضية.
علاوة بدل التمثيل البالغة 1200 دينار يمكن أن تطرح في سياق مقترح الكوهجي بحيث يمكن إلغاؤها، بالأخص فيما يتعلق ببعض النواب الذين يقول ناخبيهم إنهم «لم يروهم» منذ أعلنت نتائج الانتخابات ووصلوا كراسيهم، لم يفتحوا مكتباً، وغيروا أرقام تواصلهم، ولم يقفوا موقفاً في البرلمان مع مطالبات الناس، هؤلاء لا يستحقون علاوة تمثيل للناس، فالعلاوة متحولة لديهم لعلاوة تمثيل شخصي أو تمثيل على ناخبيهم.
الفكرة فيما نقول، أنه حتى الوصول لمرحلة تقليل مكافأة النواب أو «تقصيصها» يمكن الاستغناء عنها، بل الإبقاء على هذه المكافأة والله يبارك للنواب فيها، لكن شريطة أن يكون هناك شيء في المقابل يحسه الناس ويدركه ويمكنهم قياسه.
وحين أقول ذلك، فما أعنيه، أنه لن يضير الناس تقاضي النائب لهذه المكافأة «عليه بالعافية» طالما هو يوفي بوعوده ويحقق شعاراته الانتخابية، ويسعى لتلبية مطالبات الناس، والأهم ألا يتخلى عنهم في المواقف الهامة التي يجب فيها ألا ينحاز النائب لشيء يضرهم أو يضيق عليهم، وألا يكون النائب حكومياً أكثر من الحكومة نفسها.
لو حقق لي النائب الذي انتخبته مطالبي، لو رفع راتبي وحسن معيشتي، لو حل مشكلة الإسكان وألغى اشتراطات السقوف ودمج الرواتب، لو حارب الفساد الإداري والمالي، لو ضبط عمليات الصرف الحكومية وأوقف البذخ والإسراف، لو فعل كل هذا، فوالله لو يأخذ 10 آلاف كمكافأة فعليه بالعافية.
المسألة ليست معنية بمكافأة وراتب، لكنها معنية بأداء ومصداقية للشعارات التي رفعت، المسألة معنية بأن يكون المجلس بالفعل صوت الناس، يستندون عليه ويثقون به ويعولون عليه.