في السابق كانت المجتمعات العربية تنتقد من يحتفل بيوم الأسرة أو بعيد الأم، واعتبروا ذلك انسياقاً وراء الغرب، فديننا الحنيف أوصى ببر الوالدين، وحذر من عقوقهما، بعكس بعض المجتمعات التي تحتاج إلى هذه المناسبات، حتى تلتقي مع أبنائها وأحفادها مرة أو مرتين في السنة، وللأسف أصبحت بعض المجتمعات وبعض الأسر تماماً كما المجتمعات الغربية، ويعود ذلك إلى الجفاف العاطفي بين الأسرة الواحدة، حيث أصبحت بعض الأسر في مجتمعاتنا بحاجة إلى أن تجتمع من جديد، وتلتقي تحت سقف واحد، حتى ولو مرة في السنة، بعد أن توغلت الغربة بينهم وأصبح الجفاء والجفاف العاطفي ينسج خيوطه في الأسرة الواحدة، بين الأزواج والأبناء والإخوان، وأصبح كل فرد من أفراد الأسرة يفضل أن يعيش لنفسه فقط، لا يهتم ولا يكترث بمن حوله.
في السابق «زمن لول، ولول تحول»، كانت الأسرة تعيش في بيت صغير، ينام الأولاد في غرفة والبنات في غرفة ثانية -هذا إن ما ناموا كلهم في غرفة واحدة- كانت الإمكانيات والعيشة صعبة في ذلك الوقت، لديهم سيارة واحدة، وتلفزيون واحد، ولكن كان ترابط هذه الأسر أقوى من أي شيء، أو من أي ماديات، فقد كان الآباء يعلمون تفاصيل حياة أبنائهم كاملة، فقد كان الآباء والأجداد مصدر إلهامهم وقوتهم في الحياة، كما أن احترام الأبناء لهم لا يمكن أن يضاهي أي احترام آخر، فبرغم الحياة البسيطة إلا أن الذكريات الجميلة تجمعهم ولا يتسع الكون من أفراحهم، واليوم أصبح التصحر والفراغ العاطفي يحيط بالأبناء، برغم كل الرفاهية التي تحيط بالمجتمعات، وبالرغم من أن الآباء أصبحوا كرماء في تقديم العيش الكريم لأبنائهم، إلا أنهم اصبحوا بخلاء في تقديم العاطفة لهم، والاهتمام بهم ورعايتهم.
عقوق الوالدين من الكبائر التي انتشرت في المجتمع وازدادت شيئاً فشيئاً بشكل رهيب، برغم أن ديننا الحنيف يدعو إلى بر الوالدين، ذلك لأن رضا الوالدين من رضا الله، إلا أننا بتنا نسأل الله العافية، «وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً»، فما الذي جعل بعض الأسر في مجتمعاتنا نسخة أخرى من المجتمعات الغربية؟ نحن ندرك تماماً أن للوالدين حقاً عظيماً على الأبناء، ولكن يجب ألا نغفل أيضاً أن للأبناء على الآباء حقاً أيضاً، أحياناً يكون العقوق ناتجاً عن الجفاف العاطفي للأبناء وسبيلاً واضحاً لشرخ في العلاقات في الأسرة الواحدة، صحيح أن الأبناء بحاجة إلى من يرسم لهم سبل الحياة الكريمة في المسكن والملبس والمأكل، لكن هم أيضاً بحاجة إلى من يجعلهم على رأس قائمة الأولويات، وأن يحاطوا بالحب والحنان، ويشعروا بالأمان، ويجدهم متى ما احتاجوا إليه، ليعينوه على عثرات الحياة، الأبناء هم زينة الحياة وهم أيضاً الكرسي المتحرك عندما يكبر الآباء، لا تستغرب إن هجرك ابنك عند الكبر، فلربما لم تعطه مساحة من وقتك، عندما كان بحاجة إلى من يعلمه من دروس الحياة، ولا تستغرب إن عصاك، فلربما لم تجد الوقت لتعلمه الاحترام، ولا تستغرب من جفائه في تعامله معك، فلربما لم تسق عاطفته، ولم تبال بتصحر قلبه، وكما قيل «ليس الأب أو الأم من أنجب ولكن من ربى».