فازت السيدة حنان الحروب من مدينة رام الله الفلسطينية بجائزة المعلمة الأولى في العالم، نعم في العالم. الحروب ولدت في مخيم للاجئين الفلسطينيين في بيت لحم، وبدأ اهتمامها بالتعليم بعد أن تعرض أبناؤها للصدمة النفسية إثر مشاهدتهم قتل الصهاينة لفلسطينيين مشاهدة مباشرة.من يتابع مستوى التعليم في الأراضي الفلسطينية يدرك تماماً مستوى التطور الاستثنائي الذي يتميز به الشعب الفلسطيني. إنه تطور لا يستثني استعمال تكنولوجيا التعليم والتعلم في المناهج الدراسية، بل يتجاوزه إلى تحقيق قيم مضافة كثيرة لمهارات الطلبة الفلسطينيين وتخريج أجيال مؤهلة في مجالات عديدة يصعب تخيلها في ظل الاحتلال والقصف المتكرر والملاحقات الأمنية، والأهم.. في ظل الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني.بينت لجنة التحكيم في معرض تقديمها لأسباب فوز حنان الحروب بهذه الجائزة بأنها استخدمت مقاربات متخصصة طورتها ذاتياً تساعد على بناء الثقة بين الطالب والمعلم، وتعزز مفاهيم السلام والتسامح عند الطلبة وتربيتهم على الاحترام والتعاون. وتقول الحروب إنها اهتمت باستخدام استراتيجية التعليم باللعب للأطفال داخل الصف. وهو الأمر الذي انعكس إيجابياً على سلوكياتهم في المدرسة وفي المجتمع. وبالإضافة إلى عمل الحروب في التعليم فإنها تعمل مرشدة اجتماعية وموجهة نفسية للأطفال والمراهقين وتتابع طلبتها خارج الدوام المدرسي.فوز حنان الحروب يعيد طرح الأسئلة حول المعلم. فنحن نكرر كثيراً أن المعلم يحظى بدعم كبير من الدولة في الدول المتقدمة مثل فنلندا وسنغافورة مما يجعله الموظف الأول في الدولة من حيث الاحترام ومن حيث ارتفاع الراتب مما دفع تطور التعليم في هذين البلدين إلى المراتب الأولى عالمياً، كما ساهم في تقدم الدولتين تقدماً هائلاً. وبالتأكيد فإن السيدة حنان الحروب لم تحظ بأي من التقدير والراتب المجزي الذي يحصل عليه المعلم الفنلندي أو السنغافوري، ولم تحظ أيضاً بالتأهيل والتدريب المستمر الذي يتمتع به المعلمون هناك. لكنها أحرزت مرتبة المعلم الأول، في العالم، باجتهادها الذاتي. فما بال معلمينا في الخليج الذين يكثرون التذمر إذن؟سيرد معلمونا بأن المقارنة مجحفة، فدول الخليج قادرة على دعم المعلم كباقي الدول المتقدمة نتيجة الوفرة المالية، وأن قلة الدعم في ظل وجود وفرة مالية هو ما يخلق الإحباط والتذمر ويحيل نظر معلمينا إلى المعلمين في سنغافورة وفنلندا وليس إلى معلمي رام الله. ويمكن قبول هذا المنطق نزولاً للقبول بمنطق أن المعلم حيثما وجد التحدي الحقيقي فإنه يخلص ويبدع في عمله. فالمعلمون في الدول المتقدمة يعيشون تحدي التنمية في بلدانهم التي يجب أن تتقدم ولا تتراجع، ويعيشون تحدي بناء الإنسان، فكراً ووجداناً، كي يكون مبدعاً وخلاقاً ومخترعاً، وكي يكون مواطناً صالحاً يحافظ على الميراث الحضاري والتنموي في بلاده ويسهم في استمراره. والمعلم الفلسطيني يعيش تحدي الاحتلال الصهيوني ومشروع إبادته. المواطنون الفلسطينيون عامة والمعلمون خاصة يحملون هم بقاء جذورهم في أرضهم وتفرع أغصانهم في سمائهم. ولا أدل من تعبير حنان الحروب في تعليقها على الجائزة بأنها اعتراف بالمعلم الفلسطيني.حين تنظر الأمم إلى المعلم، وحين ينظر هو نفسه إلى نفسه، بأنه ليس رقماً يشغل عدداً من الحصص لعدد من الطلبة في عدد من الأشهر، فسوف يتغير واقع المعلم العربي، وحين تتعامل كل دولة مع معلميها بحسب إمكاناتها وتحسن قراءة تحدياتها وإدارة أولوياتها فسوف يتغير واقع التعليم في الوطن العربي. سيبقى المعلم رسولاً، حتى وإن لم يبلغ مرحلة التكليف نتيجة التيه الذي تعيشه مجتمعاتنا، وكم من أمة جهلت حق رسلها، فظلت طريق الرشاد.تحية للمعلم الفلسطيني، وشكراً لحنان الحروب التي علمت العالم درساً جديداً أن النضال ليس بالمدفع والبندقية فقط. ولكنه أمضى وأبلغ بالصمود داخل الوطن بالورقة والقلم.