يعتبر المنبر الديني من أهم المنابر المؤثرة على اتجاهات الرأي العام، حيث أشارت نتائج دراسة استطلاعية لمركز عبدالعزيز للحوار الوطني بالمملكة العربية السعودية في فبراير 2014 لقياس الرأي العام عن «خطبة الجمعة والتأثير المجتمعي» إلى «وجود أثر إيجابي لخطبة الجمعة في حياة المصلين اليومية متمثلة في السلوك والمعاملات والأخلاق الإنسانية المشتركة، هذا إضافة إلى وجود الرؤية التفاؤلية الإيجابية التي يقوم بنشرها خطيب الجمعة بين المصلين والمستمعين لخطبته بالترغيب الإيجابي، والمزج بين الترغيب والترهيب في طرحه لموضوعات خطبة الجمعة».وبالتالي فإن لرجال الدين تأثيراً اجتماعياً على الجمهور خاصة في خطب الجمعة، وبما أنهم يقومون بإلقاء تلك الخطب، يجب التنويه إلى أنها تدخل ضمن سياق وسائل الإعلام والاتصال، فهي تكتمل فيها العملية الاتصالية، حيث يتم البدء بإعداد الرسالة وتتوفر فيها الوسيلة والمتلقي، إلا أن تلك الرسالة تتطلب قبل إعدادها مجموعة من المفاهيم والاستراتيجيات الاتصالية لدى رجل الدين مما يستدعي فعلاً التمعن فيها بشكل رئيس.وبتطبيق إحدى نظريات علوم الإعلام والاتصال على خطب الجمعة، وأهمها نظرية «حارس البوابة» التي تشتهر بها الدراسات المتعلقة بالمعالجة الإعلامية للقضايا المختلفة، فإن النظرية تتلخص في أن الرسالة لا تصل إلى المتلقي من دون أن تمر بعدد من البوابات، وخاصة أن بكل بوابة هناك قائماً بالاتصال كالصحافي أو مدير التحرير ليلغي أو يضيف بعض العبارات لينتج بذلك رسالة إعلامية للجمهور، تتسم بسياسة المؤسسة الإعلامية، إلا أن العالم كيرت ليوين قال في هذا المجال «أن هناك في كل حلقة فرداً يقرر ما إذا كانت الرسالة ستمرر كما هي أم سيزيد عليها أو يحذف منها أو يلغيها تماماً، ومفهوم «حراسة البوابة» يعني السيطرة على مكان استراتيجي في سلسلة الاتصال بحيث يصبح لحارس البوابة سلطة اتخاذ القرار فيما سيمر من خلال بوابته»، من هنا يجدر القول بأن رجل الدين وهو في صياغته للخطبة يقوم بإعداد هذه الرسالة وفق توجهاته وقيمه دون أن يلتزم ربما بمعايير واضحة وموحدة من قبل الدولة، وهنا نتحدث عن الخطب التي يتم فيها طرح القضايا السياسية في المقام الأول. إذاً إن العملية الاتصالية التي يقوم بها خطيب الجمعة وخاصة في طرحه للقضايا المحلية، يجب أن تتسم بعدد من المعايير وعلى رأسها الحفاظ على النسيج الاجتماعي، وأن تتحدد بها المواقف الداعمة للوطن والمواطن، إلا أن للأسف واقعنا المحلي كشف وجود «بعض» خطباء الجمعة من الطائفتين لا يلتزمون بأهم المعايير التي توعي الجمهور بأهمية الحفاظ على السلم الأهلي، بل إن هناك خطباء استغلوا تلك المنابر لدس السموم، وتحريض الجمهور المتلقي للإضرار بالصالح العام وزعزعة أمن واستقرار بلادنا. إن الواقع الاتصالي لدى خطباء الجمعة مؤلم ويجب أن نواجهه بكل صراحة ودون مجاملة، نرى الكثير من الخطب تدعو إلى التعدي على المكتسبات الوطنية، وفي نفس الوقت من الجهة الأخرى خطباء يدعون إلى مقاطعة من هم خارج الطائفة والعقيدة، أنا لا أحبذ أن أذكر أمثلة في هذا الجانب، فالأمثلة لا تتوقف، ومنها الفتوى الشهيرة «اسحقوهم» و«قاطعوهم»، ولكن هذا الأمر يجب أن يتسم بالواقعية، فلا يمكن أن يحمل أحد الخطباء توجهاً مناهضاً لمساعي الدولة في الوحدة الوطنية ويستمر بالخطابة على مدى سنوات، وهو يقوم بتعبئة جمهوره وطائفته حتى وصل به الأمر أنه لا يمكن أن يتم الطعن فيما يقوله من قبل المتلقي، بسبب أن الدولة تحمل على عاتقها أهمية حرية الرأي والتعبير التي كفلتها للجميع، مما جعل خطباء يستغلون ذلك للترويج لأهداف تتسبب في اتساع الفجوة بين الطائفتين الكريمتين.الحديث عن موضوع الخطباء لا ينتهي، ولكن يجب الإشادة في هذا المجال بجهود الدولة في التصدي للرسائل المشوهة لوطننا والتي يقوم بها خطباء، خاصة التصريحات والخطوات التي تتخذها وزارة العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة الداخلية، إلا أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، إذ يجب أن تشكل الدولة جهازاً رقابياً على خطباء الجمعة ورجال الدين على أن تكون عضويته من الطائفتين الكريمتين ممن يشهد لهم بالرؤية المستنيرة للحفاظ على النسيج الاجتماعي، وتعزيز الوحدة الوطنية، وأن تتخذ الدولة إجراءات صارمة ضد الخطباء المخالفين، أكثر مما عليها الآن، وخاصة الذين يدعون للتفرقة، فلا يمكن أن نعيش بوطن واحد وأفكارنا تتشوه بسبب شخص يقوم بتعبئة العقول بمعلومات وأحداث وتوجهات تدعو للمساس بمكتسبات الوطن، فالخطباء اليوم حسب علوم الإعلام والاتصال بوابة نأمل أن تكون عليها حراسة، ويتطلب الأمر أن تكون هنالك حراسة صارمة لحماية أجيالنا القادمة من هذه الرسائل التي تؤسس عقيدة وثقافة تخالف أسسنا التي تربينا عليها والتي تحمل في طياتها مفاهيم اللحمة الوطنية التي تتصدى لجميع المحاولات والتدخلات الخارجية التي تهدف لزعزعة أمن واستقرار وطننا.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90