نختم اليوم مقالنا حول موضوع بالغ الخطورة، فنقول وبالله التوفيق، لقد وافقت بعض الأطراف السنية من المنتفعين أو من المتضررين من النظام السابق، والذين رضوا بالانخراط في العملية السياسية تحت حراب المحتل لمصالحهم على تلك النسبة والقسمة الضيزى، بأن تمثيل نسبة المكون السني في المجتمع العراقي لايتجاوز 17% من مجموع سكان العراق، وهم من يتحمل اليوم وزر ذلك وما يكابده أهل السنة. ولم يكتفِ بول بريمر الحاكم المدني باسم الاحتلال بذلك، بل ذهب لأبعد منه في سن قوانين متسارعة بتحويل العراق من النظام الوطني والبلد الموحد إلى بلد ممزق وبدون جيش نظامي، وبدون مؤسسات، ويعج بالأحزاب الدينية والميليشيات وقيادات متخلفة، يناط بهم الدور البارز في كل مفاصل الدولة، ويستبعد كل الأحزاب والكفاءات والشخصيات الوطنية والعلمانية، ويدار البلد بالمحاصصة الطائفية البغيضة، وإطلاق العنان للعصابات المسلحة والمفسدين، وكان أول الموافقين على تلك الخطة المرعبة هم قادة الشيعة، الذين دخلوا فوق ظهر الدبابة الأمريكية وبمباركة مراجعهم، الذين وجد فيهم المحتل ضالته، فانحازوا للتعامل معهم لوجود رأس يأمر فيطاع، دون تردد أوامتناع، ولتعطش الشيعة للسلطة، فكانوا مستعدين لأي شرط يملى عليهم، مقابل أن يحظو بحكم العراق والاستحواذ على خيراته.
فقسم العراق بعد الاحتلال تقسيماً عجيباً غريباً «سنة، وشيعة، وأكراداً»، فلا هو تقسيم قومي، ولا هو تقسيم ديني مذهبي!
فتوافق قادة الأحزاب الكردية مع قادة الشيعة على المخطط الأمريكي، وبما يؤمن لهم إقليمهم ومصالحهم الاقتصادية دون الاكتراث لما سيؤول إليه العراق لاحقاً، وامتنع الشارع السني عن التوافق مع الأطراف، والذي كان يخلو تماماً من قيادات سنية معتدلة عدا قادة الحزب الإسلامي الذين خرجوا عن الإجماع وتوجه الشارع والذين استخدمهم المحتل كذريعة وواجهة لتمرير مخططه، كذلك مرر من خلالهم الدستور المليء بالألغام الموقوتة، والذي كبل الجميع والذي قطع بنصوصه الطريق لأي تعديل أو تغيير. وقد رفضت المحافظات السنية التصويت له وسجل التاريخ الدور السلبي للحزب الإسلامي في تمرير الدستور أما بصفقة خاسرة أو بغباء سياسي.
وفي نفس التوقيت، زاد ضغط فصائل المقاومة على قوات المحتل وهي في الجانب السني حصراً، وكثيراً ما يتشدق اليوم بعض من قيادات الشيعة وخاصة التيار الصدري أن لهم صولات مع المحتل وهو خلط للأوراق ومجد زائف. واحتدم الصراع الطائفي وبلغ أشده في فترة تولي سيئ الصيت نوري المالكي العميل المزدوج الذي مالت كفة عمالته لإيران بعد أن ثبت دعائم حكمه والذي استحالت إزاحته عن سدة الحكم في الدورة الانتخابية الثانية لعدم اكتمال المهمة الخطيرة في تمزيق العراق وزرع الفتنة الطائفية وتصفية الخصوم والتي استوزر لأجلها فضغط على المحافظات السنية، وأذاق أهلها وسامهم سوء العذاب، فنصبت بعدها خيم الاعتصامات التي أحرجت الجميع بمطاولتها وسلميتها فتم مهاجمتها بعنف، ثم احتوائها واختراقها بالجماعات المتشددة وتطورت الأمور ثم اخترقت الانتفاضة أخيراً بتنظيم الدولة «داعش»، وبمسرحية مفضوحة ربما انطلت في بادئ الأمر على البعض وانهار الجيش الدمج غير المتجانس، فصدرت على الفور فتوى «الجهاد الكفائي» من المرجع السيستاني لاستدراك الوضع الأمني فانخرطت تحت فتواه جميع الميليشيات الشيعية لتعمل تحت مسمى جديد يسمى «الحشد الشعبي»، والتي كانت تعمل بدون غطاء ديني فاكتسبت بتلك الفتوى الشرعية الدينية ثم أصبح لزاماً بعدها اعطاؤه الصبغة القانونية، فدخل الملف عنوة في أروقة مجلس الوزراء ليعطى له الصبغة الرسمية، عندها تحولت جميع المليشيات الإيرانية وقياداتهم، وانضوت تحته، والذي لايستطيع أحد بعد اليوم، وخاصة من أقطاب العملية السياسية المتناحرة إدانة أي تصرف لقياداته وأفراده، فبتلك الطريقة الملتوية اكتسب الحشد الناحية الشرعية والقانونية وضمنوا الحصانة والتمويل والتسليح.
مما ورد في أعلاه فإن ما يسمى اليوم بـ«الحشد الشعبي» في العراق فهو بالفعل شعبي لكن على الورق وبالتداول الرسمي فقط لكنه واقعياً هو حشد شيعي ففتواه ومرجعيته وفكرته ومادته ومتطوعوه هم من الهاربين والمطلوبين وذوي السوابق وقطاعي الطرق الذين قدموا من إيران إلى العراق بعد الاحتلال، وجندوا معهم عشرات الآلاف من شباب الشيعة المتدربين أصلاً على فنون القتال والمغرر بهم من وسط طبقة معدمة وعاطلين جلهم عن العمل. ويصح القول أيضاً إنه حشد إيراني فالقيادات والتنظيم والتخطيط والإشراف والتوجيه ايراني بحت!
وتجربة الحشد الشيعي في العراق تجربة خطيرة جداً ويجب دراستها وجمع الأدلة التي تدين عناصره وما أكثرها! فقد أوغلوا في دماء أهل السنة وارتكبوا الجرائم التي لم يسبقهم بها أحد، فبات اليوم التحرك الدولي لتجريمها وإدانتها واجباً شرعياً وأخلاقياً ثم الإسراع في وضعها في خانة الإرهاب كمنظمة «حزب الله» من قبل أن يستفحل شررها، وقبل أن تستنسخ تلك التجربة الإيرانية وتصدر خارج العراق.