لم أفهم، وفاتني المغزى، من حديث وسائل الإعلام عن «عقيدة أوباما»، وهو على وشك الرحيل. بل والإصرار على جدواها رغم نفي مراكز أبحاث عدة ذات ثقل وجود كفاءة استراتيجية لدى فريق البيت الأبيض الحالي، حتى يكون لأوباما عقيدة. فما يسمى «عقيدة أوباما» يكسر مصطلحات المعنى المتعارف عليه للعقيدة. «العقيدة أو المبدأ Doctrine» هي «خطة عمل تتأسس كقناعات بناء على مقدمات يضعها الرئيس وإدارته للتعامل مع العالم». فمبدأ ترومان 1947 تضمن أنه حين يهدّد عدوان مباشر كان أو غير مباشر أمنَ أمريكا فعندئذ يكون لزاماً عليها العمل لوقف هذا العدوان. وقد طبق لمقاومة المدّ الشيوعي على اليونان وتركيا. أما مبدأ أيزنهاور 1957 فيشير إلى أن بمقدور أي بلد أن يطلب المساعدة الأمريكية إذا ما تعرض للتهديد السوفيتي. وكانت عقيدة نيكسون 1968 تهدف إلى حمل حلفاء واشنطن على مواصلة الحرب نيابة عنها، وضبط مناطقهم بمساعدتها. أما عقيدة كارتر 1979 فربطت أمن الخليج العربي مباشرة بالأمن القومي الأمريكي. وفي عام 1985 صاغ «تشارلز كروثامر Charles Krauthammer» عقيدة رونالد ريغان لمواجهة وإضعاف نفوذ الاتحاد السوفيتي عبر تقديم مساعدات للحركات المعادية للشيوعية، من أجل إسقاط الحكومات الموالية لموسكو، واستمرت عقيدة ريغان حتى 1991. لكن ما يستحق الانتباه أن كل عقيدة جديدة لا تعني بالضرورة نهاية سابقتها، فحرب تحرير الكويت تمت بناء على عقيدة كارتر، رغم ظهور عقيدة ريغان. ومنذ انتهاء الحرب الباردة، لم تظهر أي عقيدة جديدة لها حدود مميزة. حيث يقول جاكسون دياهل في «واشنطن بوست»: «إنّ إدارة أوباما تتميز بعدم وجود استراتيجية كبرى لديها، بل وبعدم وجود أيّ خبراء استراتيجيين في داخلها». ويقول المؤرخ نيال فرغسون: «تفتقر إدارة أوباما إلى استراتيجية كبرى متماسكة». أما مايكل هيرش في «ناشيونال جورنال» فيقول: «عقيدة أوباما هي في ألا عقيدة لديه، ويبدو بأن ذلك مرشح للاستمرار».* بالعجمي الفصيحفي لحظات تاريخية حبلى بالتغيير ابتلينا بعقيدة أوباما التي تتلخص في عدم الإعلان عن استراتيجية واضحة، سوى التخلص من مشاكل الإدارات السابقة، عبر الدفع بها للحلفاء الصغار لتحمل عنائها. وهي «عقيدة» منسوخة من «عقيدة نيكسون» والدافع لها أن أوباما ووزير خارجيته كيري يعانيان من «عقدة» نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر، ويحاولان دخول التاريخ الأمريكي بكسر عزلة إيران وكوبا، كما كسر نيكسون وصاحبه عزلة الصين قبل نصف قرن. وفي ذلك خلط للسياقات بقصد التضليل، ولا حاجة لجمع القرائن فطهران وهافانا حالياً تشبهان بكين في العزلة، لكن ليس بدوافع أو بنتائج التقرب إليهما.* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90