اعتراف علي خامنئي بأن بلاده «تدعم المظلومين في البحرين» ينبغي إثباته في كل المحاضر، فهو اعتراف مهم وإن لم يكن جديداً. في خطابه الأحد الماضي بمناسبة عيد النوروز قال خامنئي بوضوح شديد إن «قوى الاستكبار تريدنا أن نتراجع عن دعم قضايا فلسطين والمقاومة ودعم المظلومين في البحرين واليمن»، وهو تصريح يتناقض تماماً مع إبداء إيران الرغبة في فتح صفحة جديدة مع دول مجلس التعاون الخليجي كما جاء في بعض التقارير أخيراً، ذلك أن القول بأن إيران لن تتراجع عن «دعم المظلومين في البحرين» يعني أنها عازمة على الاستمرار في التدخل في شؤون المملكة، ومنطقاً لا يمكن للبحرين ولا لدول مجلس التعاون أن تفتح صفحة جديدة مع بلد يؤكد في كل مناسبة أنه «لن يتراجع عن التدخل في شؤون البحرين وغيرها من الدول العربية».
حالة التناقض هذه ليست غريبة على إيران، فهي دولة تعودت على مناقضة نفسها دائماً، وتعتبر أن تدخلها في شؤون الدول الأخرى واجب شرعي وأنها إن لم تقم بهذا الدور تكون قد قصرت في الوفاء بمبادئها والتزاماتها تجاه «المظلومين» كونها «المسؤول الأول عنهم». ما قاله خامنئي ينسف كل الجهد الذي قيل إن الحكومة الإيرانية تبذله أملاً في فتح باب جديد لم تجد أمامها سوى طرقه بعد التضييق على أدواتها في المنطقة وخصوصاً «حزب الله» الذي تم إدراجه في قائمة المنظمات الإرهابية، وبعد الخسائر الكبيرة التي صارت تتكبدها في سوريا والعراق ولبنان واليمن والتي صار العالم كله يراها بالعين المجردة.
حتى لو لم يقل خامنئي ما قاله في هذه المناسبة وتم فتح الصفحة الجديدة التي تأملها الحكومة الإيرانية فإن الأكيد أنه أو غيره سيقول الكلام نفسه في مناسبة لاحقة أو حتى من غير مناسبة، فإيران تعتقد أنها الوصي على كل البشر وأن دورها ليس إسعاد شعبها والارتقاء به وإنما «دعم المظلومين في كل مكان وتخليصهم من الظلم الواقع عليهم»، ولهذا فإنها تسخر كل إمكاناتها المالية والإعلامية لمحاربة من تعتقد أنه سبب في وقوع الظلم على المظلومين، وبالتأكيد فإن للبحرين اعتبارات معينة وخاصة لهذا فإن خامنئي خصها وذكرها بالاسم.
«بوطبيع ما يجوز عن طبعه»، هذا مثل من أمثالنا الشعبية ينطبق على إيران التي تعودت أن تتدخل في شؤون الآخرين، وبالتالي فإنها لا تستطيع إلا أن تتدخل في شؤونهم، حتى لو أدى ذلك إلى هدم كل علاقة جديدة يؤمل أو يتم بناؤها، فهذا طبعها ولا تستطيع أن تغيره، كما أنها تؤكد بين الحين والحين بأنها رغم نمو تجربتها عبر العقود الأربعة الأخيرة إلا أنها لاتزال تعيش مرحلة المراهقة الفكرية التي لا تعينها على التخلص من فكرة تصدير الثورة، فالقول إنها ملتزمة بدعم المظلومين في هذا البلد أو ذاك يعني أنها لاتزال أسيرة هذه الفكرة التي لا يمكن منطقاً أيضاً أن تجد لها ترجمة على أرض الواقع فهي فكرة فاشلة وأثبتت فشلها.
ليس تصدير الثورة فقط هو ما تأمله إيران، وليس «دعم المظلومين» كما تزعم هو ما ترمي إليه، ولو ساعدتها الظروف فإنها لن تتردد عن نشر ومحاولة تصدير خزعبلاتها من مثل إشعال النار ومحاولة القفز عليها وتخطيها في عشية آخر يوم أربعاء من السنة الفارسية القديمة «چهارشنبه سورى»، والذي يعدّ من أهم الطقوس في احتفالات رأس السنة الفارسية الجديدة «هذا الطقس يعود إلى ما قبل الإسلام إلا أنه لايزال يمارس بحرية ويقابل بتسامح في إيران رغم تسببه في وفاة البعض وتعرض كثيرين للحروق».
ما قاله خامنئي عن مملكة البحرين ليس إلا مثالاً على حالة التناقض التي تعيشها إيران.